أثر التقنية في تمكين رواد الأعمال

بقلم
المستشار هاني زكي الفل
في عالمٍ يتغيّر بوتيرة متسارعة، لم تعد التقنية مجرد أداة مساندة لروّاد الأعمال، بل تحوّلت إلى الركيزة الأساسية لأي مشروع ناجح يسعى للنمو والبقاء.
لقد أصبحت المفاهيم التقليدية لريادة الأعمال غير كافية وحدها لإطلاق المشاريع، فالعنصر الحاسم اليوم هو القدرة على تسخير الأدوات التقنية الحديثة وتحويلها إلى قيمة مضافة تساهم في تحسين الأداء، وزيادة الكفاءة، وتوسيع دائرة التأثير.
شهد العقد الأخير ثورة تقنية غير مسبوقة غيّرت شكل الأسواق وسلوك المستهلكين، بدءاً من الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، إلى الحوسبة السحابية وتحليل البيانات الضخمة والتجارة الإلكترونية.
هذه التحولات لم تقتصر على الشركات الكبرى، بل فتحت الأبواب أمام الشباب والمبادرين لتأسيس مشاريع تقنية ناشئة قادرة على المنافسة بقوة في السوق.
فعلى سبيل المثال، تمكنت عدة شركات سعودية، بدأت كتطبيق بسيط لتوصيل الطعام، من التحول إلى منصة كبرى تُدار بخوارزميات دقيقة لتنظيم الطلبات وتحسين الكفاءة، وتُعد اليوم من أبرز قصص النجاح في عالم ريادة الأعمال التقنية محلياً.
كما سهلت التقنية عملية إطلاق المشاريع وخففت من كلفة الانطلاق، حيث لم يعد رائد الأعمال بحاجة إلى مقر ضخم أو رأس مال كبير، بل يكفيه وجود فكرة مبتكرة ومنصة إلكترونية لإطلاق خدماته.
وهناك منصات محليه مكّنت الآلاف من السعوديين من الدخول إلى عالم التجارة الإلكترونية دون الحاجة إلى خبرات برمجية أو بنية تحتية معقدة.
كما أن منصات التمويل و برامج الدعم الحكومية كـ “منشآت”، قد وفّرت بيئة تمويلية حاضنة، شجعت الكثيرين على تحويل أفكارهم إلى مشاريع حقيقية.
وعن دور الذكاء الاصطناعي اليوم فهو أحد أقوى الأدوات التي تعيد رسم ملامح ريادة الأعمال.
فالمشاريع التقنية الناشئة باتت تعتمد عليه ليس فقط لتحسين الأداء، بل لبناء استراتيجيات ذكية للنمو والتوسع.
– دعم القرار وتحليل البيانات:
من خلال تقنيات التعلم الآلي والتحليل التنبؤي، يمكن لرائد الأعمال تحليل سلوك العملاء، وقياس الاتجاهات السوقية، وتحسين التسعير. فعلى سبيل المثال، تعتمد منصات مثل “أمازون” و*“نون”* على تقنيات ذكاء اصطناعي متقدمة للتوصية بالمنتجات حسب تفضيلات المستخدم.
– تحسين تجربة العملاء:
توفر تقنيات مثل Chatbots حلولًا تفاعلية لخدمة العملاء على مدار الساعة، بينما تتيح أدوات تحليل النصوص فهم مشاعر العملاء وتعليقاتهم بشكل آلي.
كما تستخدم منصات الترفيه تقنيات توصية ذكية لاقتراح المحتوى حسب سلوك المشاهدة.
– أتمتة العمليات التشغيلية:
الذكاء الاصطناعي يتيح للمشاريع الناشئة أتمتة العمليات المحاسبية، وتتبع المخزون، وجدولة الموظفين، مما يقلل التكاليف ويزيد الكفاءة.
– الابتكار في الخدمات والمنتجات:
سواء في التعليم الإلكتروني أو القطاع الصحي أو التقنية المالية، فإن الذكاء الاصطناعي يساعد في تطوير حلول مبتكرة تُحدث فرقاً فعلياً.
فقد ظهرت مؤخراً تطبيقات تعليمية تعتمد على “التعلم التكيفي”، وأخرى صحية تُشخّص الأعراض مبكراً اعتماداً على تحليل البيانات الحيوية.
ورغم الفوائد الجلية، تواجه المشاريع التقنية الناشئة تحديات متزايدة، أبرزها:
• أمن المعلومات وحماية البيانات، خصوصاً مع تنامي حجم المعاملات الرقمية.
• نقص الكفاءات التقنية المؤهلة، خاصة في مجالات متقدمة كالذكاء الاصطناعي والبرمجة المتقدمة.
• سرعة تغيّر الأدوات والمنصات، ما يتطلب تحديثاً مستمراً للأنظمة والمعرفة.
وتبرز هنا أهمية المبادرات الوطنية مثل “أكاديمية طويق” و“مركز ذكاء”، التي تسعى لتأهيل كوادر تقنية سعودية قادرة على دعم هذا القطاع الواعد.
تخطو المملكة خطوات طموحة في تعزيز ريادة الأعمال التقنية، من خلال بيئة تنظيمية محفّزة، ودعم حكومي مستمر، وشراكات عالمية في مجالات الابتكار والتقنية.
وتُعد رؤية 2030 ركيزة أساسية لتأهيل جيل جديد من المبتكرين وصناع الحلول.
وفي ختام مقالي اشير الي انا عصر الاقتصاد الرقمي، لم يعد مرهون بالمقرات والموازنات الضخمة، بل بالقدرة على الابتكار وتوظيف التقنية بذكاء.
ومن يدرك قيمة التحول الرقمي ويستثمر فيه منذ اليوم، سيكون بلا شك من صناع الغد وقادة السوق.
فالمستقبل لا يُصنع إلا بأيدي من يُجيدون لغة التقنية ويُحسنون توظيفها.



