من يصنع الإنجاز.. الشغف الذي يلهم أم الإنضباط الذي يحقق النجاح؟؟

البروفيسور فيصل عبدالقادر بغدادي.
أستاذ جامعي سابق- مستشار التخطيط الإستراتيجي والقيادة.
كنت أسمع ومازلت أسمع كثيراً ويتردد على مسامعنا حديث الشباب عن الشغف حتى صار كثيرون يعتقدون أنه المفتاح الأول للنجاح المهني هذا يعلن أن شغفه بتخصصه قاده إلى التميز ، وذاك يرى أن شغفه هو سر إبداعه في عمله.
وبين هذا وذاك وهولاء وقفت أتأمل هذه الفكرة طويلاً وأسأل نفسي سؤالاً متأملاً هل تعتمد المؤسسات الحديثة على الشغف فعلاً وهي كل ما تحتاجه ، أم أن الإنضباط هو الذي يصنع الفرق على أرض الواقع الإداري المؤسسي؟؟
وللإجابة على هذا الساؤل ولمعرفة أفكار شريحة من الشباب تحدثت مع بعضهم من العاملين فعلاً في مؤسسات مختلفة وكذلك أستأنست بآراء مختصين وخبراء في الإدارة.
ولكن كانت النتيجة التي خرجت بها وفي رأي أن الحقيقة والنتيجة ليست أبيض أو أسود، بل هي خليط دقيق بين الإلهام والالتزام بين إلهام الشغف وقوة العقل وبين التخطيط والرغبة والتنفيذ..
فالشغف في ميزان التخطيط الاستراتيجي ينظر إليه بوصفه قيمة محفزة تعطي الفكرة تقدمها الأولي ولكنها في الوقت ذاته تعرف أن الشغف كونه متعلق بالعاطفة وهو شعورا متغير لا يمكن الإعتماد عليه كمعيار لإتخاذ القرارات الصحيحة ، لأن التخطيط الاستراتيجي يقوم على قراءة البيئة الداخلية بنقاط قوتها وضعفها ويحدد الفرص والتهديدات على المؤسسة وكذلك تحليل البيانات وفهم التحديات، ورسم خارطة طريق واقعية ممكن تنفيذ أهدافها وكل ذلك يحتاج إلى عقل منهجي عميق عقلاً لا يتأثر بإيقاع المشاعر.
من ناحية أخرى فإن الشغف مهم لأنه يخلق رؤية ويزرع فكرة ويمنح المؤسسة روحاً جديدة ولكن يجب أن يؤخذ في الحسبان أنه لا يُعتبر أساساً لإطلاق مشروع أو تبني إستراتيجية طويلة المدى.وأعتقد جازماً أن كثيراً من المؤسسات التي تعتبر الأكثر نضجاً تسمح للشغف بأن يكون مصدر إلهام فقط بينما تبقى القرارات القوية والصحيحة بيد التحليل ومؤشرات الأداء والدراسات العميقة والإنضباط المنهجي.
بمعنى أن الشغف يضيء الطريق للموظفين ولكن لا يرسم لهم طريقاً واضحاً ليسيرون عليه..لإننا عندما نضع الإنضباط في ميزان الإدارة التنفيذية وتنتقل الإجراءات من التخطيط إلى التنفيذ هنا تظهر أهمية الإنضباط بوضوح.. وبالتالي لا يقيس المدير التنفيذي أو يقيم مقدار حماس الموظف بل يقيس جودة عمله ودقته وإنتظامه وكذلك حرصه على تسليم المهام الموكله له في وقتها المجدول.
فالتنفيذ يحتاج إلى صلابة لا تضعف أمام التعب والضغوط ويحتاج كذلك إلى التزام صلب لا يتراجع أمام أي ظروف..فكم من مشروع خطط له وكتب له النجاح على الورق لكنه تعثر في ميدان التنفيذ وكان السبب هو غياب الإنضباط…
وكم من موظف بدأ عمله بشغف كبير ثم مالبث أن خمد شغفه والسبب لأنه لم يمتلك مهارة الاستمرار اليومية ومواجهة الأعمال بإنضباط .. وإلانضباط هو لغة العمل الإحترافي وتندرج تحته لغة الأرقام والجداول الزمنية والتقارير و كذلك الإجتماعات ومؤشرات الأداء.
ولذلك نقول مهنياً وبصوت واضح بأن الشغوف يبدأ العمل ولكن المنضبط ينجح وحين يجتمع الشغف والإنضباط يولد النجاح الحقيقي.. ولذلك نقول ورغم الاختلاف بينهما إلا أن أعظم الإنجازات تتحقق عندما يجتمع الشغف والإنضباط في شخص واحد أو فريق واحد. فالشغف يعطي عمقاً ومعنى وقيمة والانضباط يصنع النتيجة ويحافظ على الإستمرارية ويضمن أن تتحول الرؤى إلى واقع قابل للقياس..
قال لي أحد المدراء التنفيذيين “الموظف الشغوف فقط يحلم والموظف المنضبط فقط يطبق ، أما الذي يجمع بينهما فيبتكر وينجز ويقود”.
لذلك وفي رأي اليوم لم يعد هذا السؤال مهماً هل نعمل بالشغف أم بالانضباط؟.. بل تحتاج المؤسسات اليوم بأن تجد كفاءات تستطيع أن تمزج بينهما تمتلك الشغف والإنضباط في نفس الوقت ليولدا أداءً يليق بطموحات المؤسسات الحديثة ..
فتصبح المؤسسات تمتلك كفاءات الشغف يحركهم بينما انضباطهم يبني مؤسساتهم..
وبالتأكيد خلالهما سوف تكتب قصص نجاح تدوم وربما تخلد في صحفات النجاح لا مجرد لحظات إلهام عابرة وتطوى صفحاتها.



