العائلة وطنٌ الأبرار

العائلة وطنٌ الأبرار
بقلم / أحمد القاري
يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قوله: “قيمة كل امرئ ما يحسنه”، والعائلة هي أول ما يجب أن نحسن حفظه إن أردنا قيمة تبقى.
فإن سألت : ما هي العائلةُ ؟
سأقول لك : هي ذاك الوطن الصغير في حجمه، الكبير في معناه، الذي يبدأ من قلبين متعانقين لا يملكان من الدنيا إلا حلمَ البدايات، ونقطةَ صفرٍ تنبتُ منها كلُّ المعجزات.. من والدينِ يَسِيران حفاةً على دروب الحياة، يُطعمان الحب من أعمارِهما، ويُضيئان ليلَ الصغار بشمعةٍ من صبرٍ وأخرى من يقين.
كم نام أب على وجعٍ كي ينام طفلُه على رغد!
وكم حبست أمّ دمعتها كي لا تنكسر أعين صغارها.
هكذا تبدأ الحكاية ..
حكايةُ وطنٍ صغيرٍ يتّسع بنبض الحبّ حتى يصير كوناً عائلياً لا يحدّه شيء.
ثم يكبر الأبناء.. وتكبر أحلامهم.. تكبر البيوتُ من حولهم، وتكبر السماء فوق رؤوسهم، حتى تتحوّل الأسرة إلى عائلةٍ، تتصلُ فيها القلوبُ كالأغصان، وتتشابك الأرواح كالأيدي حين ترتفع للدعاء.
هناك في (اللمة العائلية) حين تلتقي الوجوه وتغيب المسافات، تكتشف أنّ القرب له نبرةٌ دافئة، وأن العائلة أبقى من الأوطان، وأقرب من الوقت، وأحنّ من كل شيء.
العائلةُ يا صديقي لا تخف عليها من الفقر، بل الخوف من شقّ النسيج.. من كلمةٍ جارحة.. من قطيعةٍ عابرة.. من قلوبٍ تنسى فضل بداياتها.
ذلك الثوب الأبيض إن تمزّق خيطٌ منه اتّسع الخرقُ على أهله، وإن هان أحدُهم هانوا جميعاً.
أما حين يتعانقون، وحين يسند القويُّ ضعفَ أخيه، ويستر أحدُهم عثرةَ الآخر، ويقوم الكبير مقام السند، والصغير مقام الزهر، حينها فقط تنزل البركات.. تمدّ الأرض لهم خيرَها، وتفتح السماءُ أبوابها، وتفيض الأيامُ بالسلام.
هذه هي العائلة..
رحلةُ تعَبٍ تُثمر دفئاً، وخطواتُ والدين تُنبت رجالاً ونساءً يملأون الدنيا نسلاً ونبلاً ، وبيوتٌ تبدأ صغيرة.. ثم تكبر وتكبر حتى تصبح وطناً له ملك وشعب يحتمي به من أتعبته الحياة.. وقد قيل : “بيت بلا أهل خراب”.
العائلة عقد أبدي، وميثاق غليظ، ورحمٌ يقرر مآل المرء.. إما إلى جنة وإما إلى سعير.



