مقالات و رأي

نحن نقرأ…حين تتحول معارض الكتب إلى مرايا للوعي

"لحظات للتأمل" (1)

البروفيسور فيصل عبدالقادر بغدادي..
أستاذ جامعي سابق- مستشار التخطيط الإستراتيجي والقيادة.
كنت ولازلت أحرص على زيارة معارض الكتب التي تقام في مملكتنا الحبيبة .. وبالمقارنة بالماضي فقد أختلفت الفعاليات اليوم عن سابقتها إذا لم تعد معارض الكتب في المملكة العربية السعودية اليوم مجرد مناسبات ثقافية عادية أو عابرة، بل باتت مشاهد ثقافية حية تعبر عن وعي لنبض مجتمع يبحث عن المعرفة أينما كانت .. فأرقام الزوار التي تتجاوز المليون زائر في هذه المعارض الدولية وكذلك مشاركة مئات دور النشر لتؤكد أن الكتاب ما زال يحتفظ بمكانته في وجدان المجتمع السعودي على الرغم من صخب العالم والتقنيات الرقمية وتسارع الإيقاع اليومي وحسب ما قرأت في تقارير إعلامية تشير بعض الإحصاءات إلى أن كثيراً من أفراد المجتمع السعودي قرأ كتابًا واحدًا على الأقل خلال العام الماضي وتشير الإحصائيات كذلك بأن القراءة الورقية ما زالت تتصدر المشهد الثقافي وتتقدم على القراءة الإلكترونية، مع صعود ملحوظ للكتب المسموعة بين فئة الشباب.. وما لمسته من الزخم الجماهيري في معارض الكتب بالتأكيد يعكس تعطشًا حقيقيًا للمعرفة والثقافة لا يمكن تجاهله أو التقليل من شأنه.
عندما أتأمل كثيراً في أروقة المعارض الدولية للكتب لا أرى كتبًا فقط، بل أرى أسئلة تبحث عن إجابات وعقولًا تفتش عن المعنى وأجيالًا تحاول أن تبني وعيها بعيداً عن الإستهلاك السريع للمعلومة.. أشعر بأن المعرض هنا ليس سوقاً بل كأنني أرى في أعين الزائرين مساحة لقاء بين الفكر والقارئ وبين الماضي والحاضر وبين الورق والإنسان.
ومع ذلك، فإن التحدي الحقيقي لا يكمن في ازدحام المعارض بالزوار بل في تحويل هذه اللحظة الإحتفالية إلى عادة يومية يمارس فيها شغف القراءة .. فالقراءة الموسمية مهما كانت جميلة لا تصنع وعياً مستداماً ، ولا تبني مجتمعاً معرفياً راسخاً ..لأن القراءة الجادة هي تلك التي تراكم الفكرة وتعمق الفهم وتُنضج الرأي وتثري الفكير وتُحرر العقل من السطحية والانفعال بل وتمنح الرؤية وضوحاً كيف لا فإن القراءة ليست ترفاً ثقافياً ولا هواية لنخبة وفئة محددة بل تعتبر ضرورة حضارية فهي الإستثمار الأكثر أماناً للإنسان، والسلاح الأهم والأهدأ في مواجهة التخلف والجهل وأصدق طريق لبناء مستقبل أكثر وعياً وإتزاناً ألم يقولوا ” وخير صديق في الزمان كتاب” خاصة وأننا في هذا الزمن الذي تتزاحم فيه الشاشات فإنه سوف يبقى الكتاب هو المساحة الأصدق للحوار مع الذات.. تستكين فيه النفس..
فلنقرأ بوعي لا بعدد الصفحات بل نقرأ بتأني ولنفهم بتركيز.. لنقتني الكتاب بعناية ولكن لا لنُكمل به رفوفًا.
فالقراءة الجادة لا تصنع قارئأ فقط بل تصنع إنسانًا يرى أبعد وبوضوح..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى