مقالات و رأي

القناع الهادئ… حين تتحوّل الطيبة إلى أداة إيذاء

روافد .د/ فهد الأحمدي
في المجتمعات الحديثة لم يعد التنمّر يأخذ شكله التقليدي الصريح بل اتخذ صورًا أكثر هدوءًا ونعومة تتخفّى خلف ابتسامات ودّية وسلوكيات مهذّبة ظاهرًا . إنها الشخصية التي يصفها المتخصصون بـ”المتنمّر المقنّع” أو “ذو الوجهين” حيث تبدو في ظاهرها طيبة ومسالمة. بينما تمارس في حقيقتها أنماطًا مختلفة من الإيذاء النفسي والتلاعب العاطفي.

هذا النوع من الشخصيات يبرع في صناعة انطباع إيجابي لدى من حوله مستفيدًا من لغة جسد مطمئنة وحديث منمّق يعكس حسن نية مصطنعًا . غير أن سلوكياته الواقعية تكشف نمطًا آخر : تشويه سمعة الآخرين
خلق النزاعات تمرير رسائل جارحة بطريقة غير مباشرة أو إضعاف ثقة الضحية بنفسها من خلال ما يُعرَف بالعدوانية السلبية.

ويشير مختصون في علم النفس الاجتماعي إلى أن هذا السلوك غالبًا ما يكون نابعًا من رغبة في السيطرة أو الحاجة المستمرة للشعور بالتفوق ما يجعل صاحبه يستخدم “قناع الطيبة” كوسيلة حماية وكسب ثقة قبل أن يبدأ بالإيذاء التدريجي والممنهج .

تكمن خطورة هذا النمط في صعوبة كشفه إذ يتظاهر صاحبه بالدعم والاهتمام بينما يمارس خلف ذلك إساءات لا يُمكن ملاحظتها بسهولة ما يجعل الضحية تعيش ارتباكًا نفسيًا يدفعها للتشكيك في مشاعرها وتفسيراتها وهي حالة باتت تُعرف في الأدبيات الحديثة بـ”التلاعب النفسي” .

ومع ازدياد الوعي الاجتماعي أصبح كشف هذا السلوك ضرورة إلى جانب تعزيز ثقافة الحدود الصحية والقدرة على التمييز بين الطيبة الحقيقية وبين الطيبة المصطنعة التي تُستخدم غطاءً لإيذاء الآخرين . كما أن دعم الضحايا وإعطائهم مساحة آمنة للحديث عن تجاربهم يسهم في الحد من انتشار مثل هذه الأنماط السلوكية .

وفي النهاية يبقى القناع مهما كان مُتقنًا، مجرد قناع لا يلبث أن يسقط أمام ثبات المواقف ووعي الأفراد ليظهر الوجه الحقيقي لمن اعتاد اتخاذ الطيبة طريقًا للإيذاء، لا قيمة إنسانية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى