مقالات و رأي

الأمان في الكلام.. لغة لا يتقنها الجميع

أحمد عبدالعال عشري
في زحمة الحياة، وضجيج الأيام المتسارعة، يظلّ الإنسان يبحث عن منطقة أمان، عن زاوية صغيرة يجد فيها السكون والطمأنينة. كثيرون يظنون أن الأمان يُصنع بالمكان أو بالمال أو بالوعود، لكن الحقيقة أن أكثر أنواع الأمان ندرةً وبقاءً هو الأمان في الكلام.

الكلمة أحيانًا تكون ملاذًا. نبرة صوت صادقة، رسالة قصيرة، أو حتى نظرة تُقال بلا حروف، قادرة أن تُرمم ما هدمته المواقف. فالأمان في الكلام لا يعني المجاملة، بل يعني أن يخرج اللفظ من قلبٍ صادقٍ يعرف كيف يُمسك بوجع الآخرين دون أن يزيده.

نحن لا نحتاج في كل مرة إلى من يحلّ مشكلاتنا، بقدر ما نحتاج إلى من يسمعنا بصدق، من يقول لنا “أنا معك” دون تكلّف، من يختار كلماته كما يختار طبيب دواء مريضه. فالكلمة قد ترفع روحًا، وقد تُسقط أخرى، ولذلك قالوا: الكلمة الطيبة صدقة.

في زمنٍ ازدادت فيه الرسائل الباردة، والردود المقتضبة، أصبح الأمان في الكلام عملة نادرة. نبحث عنه في الأصدقاء، في الأحبة، في الأسرة، بل حتى في الغرباء الذين يمرّون بنا مرورًا عابرًا، لكنهم يتركون أثرًا لا يُنسى.

الأمان في الكلام هو ذلك الشعور الذي يجعلنا نرتاح ونحن نحكي، نثق أننا لن نُساء الفهم، وأن ما نقوله سيُحاط بلطفٍ لا بحكم. هو المساحة التي نكون فيها أنفسنا بلا خوفٍ من نقد أو تلميح، حيث تتحول الكلمة إلى حضنٍ دافئ بدل أن تكون خنجرًا صامتًا.

ولعلّ أجمل ما في الأمان اللفظي أنه لا يُشترى ولا يُتكلّف، بل يُولد من نقاء القلب وصدق النية. ومن يتقنه، يمنح من حوله راحة لا تقدّر بثمن. فالكلمة الطيبة تسبق الأفعال أحيانًا، وتُعيد التوازن لقلبٍ أنهكه الصمت.

في النهاية، يبقى الأمان في الكلام نعمة لا يدرك قيمتها إلا من فقدها. لذلك، كن ذلك الشخص الذي تُريح كلماته الآخرين، ولا تكن سببًا في وجعٍ جديد يضاف إلى قلوبهم. فالكلمة قد تُطفئ حريقًا، وقد تشعله — والاختيار دائمًا في أيدينا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى