مقالات و رأي

تحت القبة شيخ .. ظاهرة الأولياء والأضرحة

عدنان العمري
باحث في التراث وباحث تاريخي 
تحتل القبة والضريح مكانة مركزية في الوجدان الديني لبعض الفرق الإسلامية، حيث ارتبطت الأضرحة منذ العصور الإسلامية الأولى بظاهرة تعظيم الأولياء والاحتفاء بذكراهم.

ومع تطور الفرق الدينية واتساع نفوذها الاجتماعي والديني، تحول الضريح إلى مركز روحي ومؤسسة رمزية تمارس حولها طقوس متعددة.
وقد أثار الحضور المادي للمقدس جدلًا عقديًا واسعًا، بين من اعتبره مظهرًا من مظاهر الحب والتوق إلى الصالحين، ومن رآه انحرافًا عن صفاء التوحيد ومظنة للشرك.
بينما تنظر الفرق إلى القبة والضريح لا بوصفهما بناءين معماريين، بل كـ”علامتين للغياب والحضور في آنٍ واحد”. فالقبة ترمز إلى العروج الروحي واتصال الأرض بالسماء، بينما يجسد الضريح الاستمرار الرمزي للولي بعد وفاته.
ويعتقد المريدون أن زيارتهم تجلب الطمأنينة وتفتح أبواب البركة وتساهم في تحقيق المآرب. ومن هذا المنطلق، لا تعد الزيارة مجرد تذكار للموتى، بل ممارسة روحية لتجديد العهد بالطريق، واستمداد النور من روح الشيخ.
وتعبّر القباب عن النزعة الجمالية في العمارة، حيث يُشيّد البناء غالبًا في هيئة دائرية ترمز إلى الكمال والوحدة. كما أن زخارفها الداخلية والخارجية تمثل لغة رمزية تربط بين الفن والدين.
لم تكن الأضرحة في التاريخ الإسلامي مجرد مواقع للزيارة، بل مراكز اجتماعية وثقافية لعبت أدوارًا متعددة. فقد كانت الأوقاف تُوقف عليها، والزوايا والمدارس تنشأ بجوارها، ويجتمع حولها الفقراء والمريدون والطلاب.
ولأصحاب الطرق تأويلهم لهذه الأفعال، إذ يرون أن المقصود بالتوجّه إلى الولي ليس ذاته المادية، بل الروح التي تحيا ببركة الله، وأن الزيارة ليست عبادة له بل تذكير بالله من خلاله.
إنّ القبة والضريح لأصحاب الطرق يمثلان تجليين للمقدس في المجال الإنساني، وهما يشكّلان معًا الجسر بين العالمين المادي والروحي. ومع أنّ الممارسات المرتبطة بهما أثارت جدلًا عقديًا لا يزال قائمًا، فإنّ حضور القباب والأضرحة في الذاكرة الإسلامية لا يمكن فهمه إلا بوصفه نتاجًا لتاريخ طويل من التفاعل بين الروح والدين والمجتمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى