المقاهي وهجران البيوت

المقاهي وهجران البيوت ☕
بقلم / أحمد القاري
إن انتشار المقاهي في مدننا أمر طبيعي، وربما تحول تدريجياً إلى حالة أشبه بالانفجار ! فبعض الشوارع تحتضن عدة مقاهٍ متناسخة، وكأنها سباق في عملية “نسخ ولصق” لمشاريع قد لا تضيف إلى المجتمع شيئاً هادفاً.
جهات ربحية تغري المستثمرين الصاعدين، بعقود مريحة، وتهئ كل المستلزمات لقيام المشروع، من معدات مستوردة، والنتيجة؟ مقاهٍ مغلقة، ومشاريع غارقة في الديون، وسوق متخم لا يرحم.
إننا نصرف مئات الريالات شهرياً على قهوة “مقطرة”، بينما بإمكاننا أن نصنع أضعافها في بيوتنا بربع التكلفة. بل يمكن لكل أسرة أن تخصص ركناً صغيراً في المنزل، تسميه “البار”، تضع فيه أجهزة القهوة المتنوعة، وتجعل منه ملتقى للأسرة والضيوف، ففي الماضي غير البعيد كان أجدادنا يجتمعون على كسرة خبز وجرّة ماء وتمرات، وامتلأت بيوتهم بالحب.
من وجهة نظري أننا لسنا بحاجة إلى مزيد من المقاهي، بل إلى مزيد من البيوت العامرة باللمة، فحين يُدفع راتب موظف كامل في ليالٍ معدودة على طاولات المقاهي، هنا تتحول “الرفاهية” إلى عبء.
وحين يتهرّب الأبناء من بيوتهم ليبحثوا عن اجتماعٍ خارجي، هنا تبدأ قيم العائلة بالتآكل.
فعلى الأسر أن تعود لبناء بيوتها بالودّ قبل الطوب، وعلى الشباب أن يعوا أن الاستثمار لا يكون في التقليد الأعمى لموضة المقاهي، بل في مشاريع منتجة ومستدامة، وما أجمل أن يكون شعارنا (مقهانا في بيتنا، ومطعَمُنا على طاولتنا).
وإن استمر هذا النزيف، سنستيقظ يوماً لنجد أن المقاهي اكتظت بالناس، والبيوت خلت من أهلها.



