أنسنة الغذاء .. حين تتحول الوجبة إلى تجربة إنسانية راقية في موسم الإيمان

أ.د. فيصل عبدالقادر بغدادي
في زمن تتقاطع فيه التكنولوجيا مع القيم الإنسانية تبرز أنسنة الغذاء بوصفها توجهاً معرفياً جديداً يسعى إلى إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان وطعامه ليس من منظور التغذية فحسب بل من منظور وزاوية الوعي والكرامة والتجربة الحسية المتكاملة وفي بيئات ذات طابع روحي فريد كأيام الحج والعمرة، تتحول موائد الطعام إلى مساحة تُختبر فيها أرقى معاني التنظيم والإبداع الإنساني حيث يتجلى الامتزاج والابتكار اللوجستي بالرحمة والفعالية التشغيلية بروح الخدمة الإبداعية لينشئ نموذج حضاري يعكس جوهر رسالة المملكة العربية السعودية في خدمة ضيوف الرحمن خاصة والمواطنين والمقيمين عامة..
ومن هنا تأتي أهمية فعاليات أنسنة الغذاء التي تُعيد التفكير في صناعة التغذية والإطعام بوصفها منظومة متكاملة من المعرفة والابتكار والتجربة الإنسانية، تسعى لأن تجعل من كل عمل غذائي قصة كرم ومن كل وجبة تجربة إنسانية مستدامة تحفظ الكرامة وتُغذي الروح قبل الجسد

ومن هذا المنطلق أقامت جامعة أم القرى ورشة “أنسنة الغذاء” حيث تسلّط الضوء على البعد الإنساني والابتكاري في التجربة الغذائية يوم الإثنين 10 نوفمبر 2025 – حيث نظّمت الدكتورة ولاء بنت عصام الحساني، الأستاذ المشارك في قسم التغذية الإكلينيكية في كلية العلوم الطبية التطبيقية، ورشة عمل بعنوان “أنسنة الغذاء: نحو تجربة غذائية أكثر إنسانية واستدامة”، ضمن فعاليات هاكاثون أنسنة المشاعر المقدسة، وذلك بحضور نخبة من المختصين والمبتكرين، وطلاب التغذية والتصميم ورواد.
هدفت الورشة إلى تعزيز الوعي بكيفية جعل التجربة الغذائية أكثر ارتباطًا بالإنسان ومشاعره وثقافته، من خلال الابتكار وربط الغذاء بالقيم الإنسانية ومفاهيم الاستدامة.
واستعرضت الدكتورة الحساني مفهوم “أنسنة الغذاء” باعتباره انتقالًا من مجرد الاستهلاك إلى تجربة متكاملة تراعي الجسد والمشاعر والكرامة والثقافة، مؤكدة أن “الغذاء لغة إنسانية تعبّر عن الحب والانتماء والمشاركة”.
تناولت الورشة أربعة محاور رئيسية:
1. مدخل إلى مفهوم أنسنة الغذاء
تطرّق إلى العلاقة بين المشاعر والطعام، وأمثلة تطبيقية مثل تجربة “الأكل الواعي” في برامج الصحة النفسية، والمائدة الرمضانية كنموذج سعودي يجمع بين الإحسان والمشاركة.
2. الابتكار كأداة لأنسنة الغذاء
عرضت فيه مبادرات رائدة مثل “رفادة” لضيافة ضيوف الرحمن، وتجربة “المطاعم الإنسانية”، واستخدام تقنيات مثل الطباعة الغذائية ثلاثية الأبعاد (3D Food Printing) والذكاء الاصطناعي في تخصيص التغذية بما يناسب الحالة النفسية والمزاجية للإنسان.
3. أنسنة الغذاء لخدمة القيم والاستدامة
أكدت فيه أن الاستدامة ليست بيئية فقط، بل إنسانية وأخلاقية أيضًا، من خلال تقليل الهدر الغذائي وتعزيز العدالة الغذائية. وتناولت أمثلة لمبادرات محلية مثل “صفر هدر غذائي” في مكة والمزارع المجتمعية في العلا.
4. تصميم تجربة غذائية إنسانية
تضمن نشاطًا تفاعليًا قُسّم فيه المشاركون إلى مجموعات لتصميم أفكار مبتكرة مثل تطبيقات غذائية تراعي المشاعر أو حملات توعوية بعنوان “وجبة بكرامة”، مع تقييم الابتكارات وفق معايير الأصالة، والبعد الإنساني، والاستدامة. التوصيات:
اختُتمت الورشة بتوصيات أكدت على:
• دمج مفهوم أنسنة الغذاء في البرامج التعليمية والمبادرات المجتمعية.
• تشجيع الابتكار الإنساني في مجالات التغذية والضيافة.
• تعزيز الشراكات بين الجهات الصحية والتعليمية لدعم جودة الحياة.
وأكدت الدكتورة الحساني أن “أنسنة الغذاء ليست رفاهية، بل فلسفة تبني مجتمعات أكثر وعيًا وسعادة”، مشيرةً إلى أهمية الموازنة بين التقنية والمشاعر لتحقيق تجربة غذائية راقية ومستدامة.



