عندما أصبح الميكروسكوب بوابة المناعة.

الأستاذ الدكتور فيصل عبدالقادر بغدادي
خلق الله عزوجل في جسم الإنسان أعضاء وأجهزة وخلايا مختلفة، ومنها الجهاز المناعي الذي يحتوي على خلايا مناعية مختلفة ، وبدأ علم المناعة منذ فترة طويلة ولكن بأساليب بدائية، ولم يبدأ علم المناعة في مختبرات معقدة بأجهزة ولا في مراكز بحثية ضخمة كما هي اليوم ، بل بدأ من ملاحظة إنسانية بسيطة حيث تمت ملاحظة أن من يصاب بمرض وينجو من هذا المرض نادرًا ما يعود إليه هذا المرض مرة أخرى. وسبحان الله فتلك الملاحظة التي مرت عبر حضارات مختلفة بل وقرون

من الأزمنة تحولت تدريجياً إلى سؤال مهم وكبير جداً آلا وهو لماذا يحمي جسم الإنسان نفسَه من تكرار الإصابة؟؟
كانت الإجابة تنتظر اختراعًا سيغيّر وجه العلوم بل والطب وكان عن طريق الهولندي “فان ليفنهوك” في نهاية القرن السابع عشر عندما رأى ليفنهوك للمرة الأولى شيئاً لم يره أي إنسان من قبل حيث شاهد بواسط ميكروسكوب بدائي بسيط كائنات دقيقة تعيش في الوسط البيئ للإنسان ولك عزيزي القارئ أن تتخيل كيف كان هذا الميكروسكوب على بساطته أعجوبة العجائب في عالم الأجهزة آنذاك، ولكن بحساب العلوم عامة ، وعلم المناعة خاصة كان هذا الجهاز هو بوابة الوعي العلمي الجديد حيث صار بالإمكان رؤية الكائنات العدوة للإنسان ولم تعد أشياءً غامضة.
فهده الكائنات الدقيقة ستصبح لاحقاً محور من محاور فهم المناعة في جسم الإنسان . ومن هذه النقطة وهذه البداية أصبح العلم ينتقل من التخمين إلى الرؤية المباشرة، ومن ملاحظات المرض إلى دراسة مسبباته.
وفي عام 1796، أحدث الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر قفزة قوية وكبيرة إذ أنه عندما لاحظ أن حالبات الأبقار المصابات بجدري البقر لا يُصبن بالجدري البشري. من هذه الملاحظة أنتج أول لقاح في تأريخ البشرية وبدأت رحلة جديدة جداً كان عنوانها الوقاية خير من العلاج .

وتوالت العلوم والدراسات والأبحاث وظهر العالم “لويس باستور” ليكمل مسار ما كانوا قبله بإثبات أن الميكروبات يمكن إضعافها لتصبح وسيلة حماية فانتقلت المناعة من الملاحظة إلى هندسة العلاج فأثبت باستور أن الجراثيم يمكن إضعافها دون قتلها فتصبح قادرة على تدريب الجهازي المناعي أو بالأحرى يصبح الجهاز المناعي قادراً على التعامل مع هذه الجراثيم دون التسبب بالمرض وهنا قامت ثورة الدخول في علم المناعة من أوسع أبوابه..وأستمرت الدراسات والأبحاث وبدأ العلماء في مطلع القرن العشرين يفككون طلاسم الجهاز المناعي بواسطة الميكروسكوبات المختلفة وتم إكتشاف الخلايا اللمفاوية بأنواعها المختلفة بل أكتشف العلماء بعدها أن الجهاز المناعي عبارة عن منظومة متكاملة ترتبط مع بعضها البعض بطرق دقيقة ومنظمة وصارت مفاهيم المناعة الخلوية والمكتسبة مجالات للبحث والدراسة وتزايدت القدرة الطبية على تفسير وعلاج الأمراض المعدية والمناعة الذاتية بل وزراعة الأعضاء..
ومع دخول القرن الحادي والعشرين أصبح علم المناعةًعلماً شاملاً يرتبط في مجالات مرضية عديدة للأمراض المعدية وغير المعدية.. وعندما نتذكر جائحة كوفيد 19 ( كورونا)كيف قدم علم المناعة لقاح كورونا الذي يعتمد على mRNA مثالاً نموذجياً على تزاوج العلم بالتنقية ومنها صممت لقاحات كورونا في وقت قصير وفي إنجاز طبي كبير.. وعموماً اليوم أصبح الميكروسكوب
ومع دخول القرن العشرين أصبح جهاز المناعة في الإنسانمنظومة متعددة الطبقات: فهي خلايا تتواصل مع بعضها وأجسام مضادة تُنتج في الجسم وذاكرة مناعية تحفظ أشكال الجراثيم ونوعيتها..واليوم، وبعد ثلاثة قرون من اكتشاف الميكروسكوب لم يعد علم المناعة مجرد فرع طبي يشرح كيفية الدفاع عن الجسم، بل أصبح بوابة الطب الحديث كله قاطبة فالعلاج المناعي للسرطان، والتشخيص الجيني، واللقاحات المتطورة، جميعها ثماراً لشجرة بدأت ببذرة صغيرة وخطوة الألف ميل التي بدأت لتصل فيهارغبة الإنسان في رؤية ما لا يُرى وإكتشاف ما يمكن إكتشافه لراحة وطمأنينة الإنسان ، وعلم الله الإنسان مالم يعلم.



