قوة طفلك في حضنك

✍: ليلى سعد القحطاني
هل فعلاً هناك ما يُسمى بـ”متلازمة الاحتضان والطفل المطمئن”؟
قد يبدو التعبير غريبًا للوهلة الأولى، لكنه في جوهره يصف ظاهرة إنسانية نعيشها جميعًا، دون أن نضع لها اسمًا. فثمة أطفال يكبرون وداخلهم نواة صلبة من الطمأنينة، لا بفعل الكلمات أو التعليمات، بل بفضل شيء أبسط… وأعمق، انه الحضن.
ذلك الدفء الجسدي الصادق، الذي يتكرر في اللحظات الصغيرة، هو ما يُبني عليه الطفل ثقته بنفسه وبالعالم. وهنا لا نتحدث عن الحنان عند التعب والمرض ، بل عن فعل يومي خافت، لكنه متين يحفظ توازن النفس قبل أن يتشكل وعيها.
عزيزتي الأم وعزيزي الأب، هذا المقال ليس نظريًا. إنه دعوة للتفكر في أبسط ما نملكه، وأكثر ما نؤثر به على أبنائنا دون أن ننتبه: قربنا الجسدي منهم.
العناق، الطبطبة، الجلوس المتقارب، وحتى النظرات المليئة بالحب… والإعجاب ،، ليست تفاصيل عابرة، بل رسائل غير منطوقة تترسّب في وجدان الطفل وتُشكّل طريقة نظرته لنفسه والعالم.
هل تعلمون أن هناك تقنية طبية حقيقية تُدعى “رعاية الكنغر”، يُستخدم فيها حضن الأم والأب كبديل للحاضنة الصناعية للأطفال الخدّج؟
نعم، الأطباء اكتشفوا أن قرب الرضيع من صدر أحد والديه ، وملامسته لأجسادهم ، يساعده على التنفس بشكل منتظم، ويعزّز نموه، ويقلّل من معدلات الوفاة!
لم يكن في تلك التقنية أجهزة متطورة، فقط… حضن.
وهذا وحده كان كافيًا لإنقاذ حياة.
فما بالنا نحن، نؤجّل الحضن، أو نُقلّل من أثره، أو نربطه فقط بالمناسبات؟
الطفل لا يطلب تعقيدات، ولا ينتظر منكم تفسيرات، هو فقط يحتاج أن يُلمَس بلطف، أن يُحتضَن بصدق، أن يشعر أنه مرئيّ… محبوب… ومقبول كما هو.
ولأن الأبوة والأمومة ليست مهمات تقنية، بل علاقة مستمرة من الأخذ والعطاء، فإن كل لحظة قرب هي استثمار طويل الأمد.
قد لا تتذكرون أنكم حضنتم ابنكم البارحة، لكنه سيتذكّر.
وقد لا تدركون أن لمسة رأس طفلتكم بعد يوم صعب أعادت إليها اتزانها الداخلي، لكنها ستشعر بذلك لسنوات.
الطفل المطمئن ليس نتاج الكلمات فقط، بل نتيجة القرب الجسدي والعاطفي الحقيقي.
وأنتم، أيها الآباء والأمهات، تملكون هذه القدرة العظيمة التي لا تُشترى ولا تُعلَّم في الكتب: أن تكونوا الوطن الذي يعود إليه أبناؤكم كلما ضلّوا أو تاهوا.
“في كل حضن تمنحونه، هناك طمأنينة تبقى.
وفي كل لحظة دفء، هناك قوة تُبنى دون أن تُرى.”



