مقالات و رأي

طب نمط الحياة .. حين يتحول أسلوب العيش إلى دواء.

البروفيسور : فيصل عبدالقادر بغدادي

ما هو الأهم اليوم — وسط زحمة الحياة وضغوطها هل هو الدواء أو تعديل السلوكيات التي تمنحنا وقاية طويلة المدى.. فما هو الأهم ؟؟ ، فالدواء يعالج نتيجة أما السلوكيات الصحية فتتدخل عند السبب ، والوقاية أقوى من أي وصفة دوائية حيث تتجلى في
السلوكيات الجيدة والنوم المنتظم، وتناول التغذية المتوازنة، الحركة اليومية، إدارة التوتر بالتقليل منها أو تجاهلها — تقلل الحاجة للأدوية أصلاً.. لأن الدواء مؤقت ولكن السلوك شئ مستمر..

واليوم يظهر في بعض دول العالم تخصص جديد يدعى طب نمط الحياة إذ يعتبر هو جوهر كل ما ذكرناه تقريباً بل يعتبر هو الإطار العلمي الذي يفسر لماذا تعديل السلوك أهم وأعمق تأثيراً من الدواء في كثير من الأحيان .

وبعض دول العالم بحثت كثيراً في موضوع الصحة والمرض والوقاية ووضعت ما يسمى طب نمط الحياة في هذا العصرٍ الذي يتسارع فيه الإيقاع اليومي وتزداد فيه التحديات الصحية، يجد الإنسان نفسه محاطاً بأنماط حياة تُنهكه أكثر مما تُعينه، وتدفعه نحو الأمراض المزمنة بصمت وبطء. ومع ارتفاع معدلات السمنة والإصابة بالسكري، وأمراض القلب كذلك اضطرابات النوم ، وازدياد الضغط النفسي لذلك بدأت الأنظمة الصحية حول العالم تبحث عن حلول تتجاوز الوصفة الطبية التقليدي بل تدخل في مقولة ” الوقاية خير من العلاج ”
وهي جملة استخدمها الأطباء المسلمون في العصور الذهبية للطب، مثل ابن سينا والرازي وإن لم ترد بالصيغة نفسها حرفياً، إلا أن مضمونها كان أساساً في كتبهم ومؤلفاتهم وهي :-
“أن منع المرض أسهل وأفضل من علاجه بعد وقوعه” وفي هذا السياق ظهر طب نمط الحياة بوصفه أحد أبرز التحولات الطبية الحديثة لأنه طب لا يكتفي بوصف الدواء، بل يعيد النظر إلى لب وأساس المشكلة آلا وهي كيف يعيش الإنسان ، وكيف يمكن أن تصبح عاداته اليومية العلاج الأول الحقيقي الذي يقيه الأمراض..
طب نمط الحياة (Lifestyle Medicine) ليس اتجاهاً إعلامياً ولا موضة صحية أو ترند عابر بل هو تخصص طبي معتمد عالمياً يقوم على أدلة علمية واسعة، ويستند إلى فهم عميق للعلاقة بين العادات السلوكية وصحة الإنسان فهذا التخصص يؤمن بأن الوقاية ليست خياراً ترفيهياً، بل هي أساس منظومة الصحة، وأن الأمراض المزمنة ليست قدراً محتوماً ، بل يمكن الحد منها ومحاولة عكس مسارها ولكن بشرط تغيير طريقة نمط الحياة للإنسان..
من خلال بحثي وإطلاعي على هذا التخصص وجدت أنه يرتكز على ستة محاور رئيسية، تُعد اليوم هي الأكثر تأثيراً في صحة الإنسان وفق الكثير من الدراسات البحثية وهي على النحو التالي :-

-التغذية الصحية المبنية على الأدلة حيث يعتمد هذا التخصص على نماذج غذائية تُقلل الالتهابات وتدعم صحة القلب والمناعة، عبر تناول الغذاء الطبيعي غير المُصنع والتركيز على حصص من الخضروات، والحبوب الكاملة، والبروتينات المقيدة الجيدة، وتقليل السكريات والدهون الصناعية.

-النشاط البدني المنتظم
فلا يمكن لجسم الإنسان أن يعمل بكفاءة دون حركة يومية تحفز القلب والعضلات والدماغ. وقد أثبتت الدراسات أن الرياضة ليست لحرق السعرات فقط، بل لإعادة برمجة الجسم على مستوى الهرمونات والمناعة والمزاج.. ويأتي كذلك

-النوم الليلي الجيد ..
فالنوم ليس رفاهية، بل ضرورة بيولوجية تنظم كل شيء تقريباً في فسيولوجية الجسم، من الهرمونات إلى الذاكرة والمناعة. وكذلك يهدف طب نمط الحياة إلى تصحيح العادات التي تفسد النوم، وتقديم استراتيجيات فعالة لإستعادته..
-إدارة الضغط النفسي بفعالية:-
فالتوتر المزمن أصبح سبباًمباشراً خلف العديد من الأمراض بل تعجل الوصول إلى الشيخوخة البيولوجية إذ يقدّم هذا التخصص تقنيات عملية للتحكم في التوتر، مثل التنفس العميق، الوعي الذهني، التأمل، وإعادة هيكلة التفكير.

-العلاقات الاجتماعية الفاعلة والداعمةإذ أثبت علماء نفس السلوك أن الشعور بالانتماء والدعم الإجتماعي يمكن يحسن صحة الإنسان ويقلل الإصابة بالإكتئاب والأمراض المزمنة.

— الإبتعاد عن التدخين وما به من مخاطر صحية وهي خطوات جوهرية لإستعادة التوازن الصحي والوظيفي للجسم.. عموماً فهذه المحاور ليست نصائح عامة بل هي تخصص يدرس اليوم في برامج متخصصة عبر جامعات ومؤسسات تعليم عالمية، وتشمل اختبارات نظرية وعملية واعتمادات مهنية مما يضع هذا التخصص في موقع طبي علمي صلب..وقد اعتمدت الكلية الأمريكية لطبّ نمط الحياة (ACLM) برامج تخصصية وزمالات طبية، كما تبنّت جامعات في أمريكا وأوروبا وأستراليا هذا المنهج ضمن أنظمتها الصحية حيث يستشعرون أن طب نمط الحياة هو الطب الذي سوف يغير المجتمع ككل لا الفرد فقط..
وخلاصة القول فإن طب نمط الحياة تخصص طبي عالمي معتمد ، ويعتمد على العلم والبحوث بل ويعد عالمياً وفي الوقت الحاضر من أسرع التخصصات نمواً في العالم بسبب قدرته على تقليل الأمراض المزمنة وتحسين جودة الحياة..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى