الأطفال وحق القراءة

✍ليلى سعد القحطاني
في اليوم العالمي للطفل، يقف حق القراءة بوصفه أحد أعمق الحقوق الإنسانية وأكثرها تأثيرًا في بناء شخصية الطفل ومستقبله. فالكتاب ليس مجرد صفحات تُقلَب، بل نافذة يرى منها الطفل العالم ويتعرّف من خلالها إلى ذاته، ويتعلم كيف يحلم ويسأل ويفكّر. والقراءة ليست ترفًا، بل حقّ يضمن له أن يعيش طفولته بوعي وكرامة وقدرة على إدراك ما حوله بعينٍ متسائلة.
ولأن البيوت هي المحضن الأول للطفل، فإن مسؤولية تغذية هذا الحق تبدأ من بين جدرانها. فاللحظات التي يقرأ فيها الوالدان لأطفالهما، وقصص ما قبل النوم، والكتب الموضوعة في متناول اليد، ليست مجرد عادات؛ إنها جذور تُغرس لتثمر لاحقًا لغة أوسع، وخيالًا أرحب، وثقة أعمق. تؤكد الدراسات التربوية الحديثة أن القراءة المبكرة تُثري قاموس الطفل اللغوي، وتدعم تفكيره الإبداعي، وتساعده على التعبير عن مشاعره وتنمّي تركيزه وقدرته على التعلم والتواصل.
وليس غرس حب القراءة مقصورًا على الأدب والمعرفة الدنيوية فقط، بل يتصل أيضًا بعمقٍ مع حقّ القرآن الكريم علينا جميعًا. فالقرآن وهو أول ما نزل من الوحي بكلمة “اقرأ” يعلّمنا أن القراءة أصلُ الهداية، وأساس الوعي، وركنٌ في بناء الإنسان. ومن حق الطفل أن ينشأ قريبًا من القرآن، يسمع آياته، ويأنس ببيانه، ويتعلّم منه معاني الرحمة والعدل والأخلاق. وحين نقرّب إليه المصحف ونعلّمه مبادئ التلاوة، فإننا نمنحه حقَّه في أن يتصل بكلام الله اتصالًا يثبّت قلبه ويرتقي بروحه، ويمنحه أساسًا متينًا يبني عليه فهمه للعالم من حوله. إن تعليم الطفل القراءة يفتح له أبواب العلم، أما تعليمه قراءة القرآن فيفتح له أبواب النور.
ولن يكتمل حق القراءة دون مشاركة فاعلة من المدارس التي يجب أن تُعيد للكتاب مكانته وتمنح الطفل بيئة يتعرّف فيها إلى القصص والمعارف كما يتعرف إلى القرآن وأخلاقه. فمدرسة تُعلي من قيمة القراءة، وتفتح مكتباتها، وتنظم جلسات قراءة حرة وموجهة، تصنع في الطفل عادة ثابتة تدوم معه مدى الحياة. الطفل الذي يرى للكتاب قدرًا في مدرسته سيحمله معه إلى بيته، ويعامله كرفيق لا كواجب.
ويمتد هذا الدور إلى المؤسسات المجتمعية والثقافية التي تستطيع أن توفر الكتب، وتنظّم الفعاليات، وتدعم أدب الطفل، وتتيح لكل طفل مهما كانت ظروفه فرصة عادلة للوصول إلى الكلمة المكتوبة. فالمجتمع الذي يفتح أبواب المكتبات، ويحتفي بالقرّاء الصغار، ويقرّب القرآن إلى قلوبهم، هو مجتمع يحمي حقوقهم ويمنحهم مستقبلًا أوسع.
إن القراءة ليست رفاهية يمكن الاستغناء عنها، بل هي أساس يبني العقل والروح. والطفل الذي يُحرم من كتاب يُحرم من فرصة للنمو، ومن نافذة يرى منها العالم. أما الطفل الذي يُمنح كتابًا، ويُفتح له باب القرآن، فإنه يُمنح نورًا ومعرفة وملاذًا من الضياع. وفي هذا اليوم العالمي للطفل، يتأكد لنا أن حق الطفل في القراءة الدنيوية والقرآنية مسؤولية مجتمع كامل، وكل صفحة تُقدَّم له، وكل آيةٍ تُتلى على سمعه، هي خطوة نحو بناء إنسان أقوى وواعٍ وأقدر على صناعة الغد.



