أ.عمرو عادل بسيوني
ما أجمل أن تعبر عن محبتك وتقديرك لمن يستحق ذلك بصدق وعفوية، دون اللجوء إلى الكلمات الرنانة أو العبارات العميقة. أحياناً، كل ما نحتاجه هو أن تنطلق الكلمات من القلب، ببساطة وصدق لشخص عزيز يقدرها ويستحقها ، وانظر بعد ذلك للأثر الذي سوف تتركه في هذا الشخص بعد كل هذا اللطف في الوصف وكل هذه العفوية الصادقة في التعامل معه أمام الأخرين ! ، والذي من المؤكد سيكون له أثر عميق يُخلد في ذاكرته ولن ينساه وقد يصحبه دموع فرح وامتنان لكل هذا التقدير الذي وجده منك دون تحضير أو إعداد مُسبق ،
أريد معك أن تتخيل عزيزي القارئ ، كيف سيكون هذا الأثر إذا تجسد على شعبين عظيمين لطالما وقفا بجانب بعضهما البعض؟ ، وهذا ما لمسناه من سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، وزير الطاقة، في خطابه الأخير خلال مؤتمر ومعرض مصر الدولي للبترول “إيجبس”. ففي حديثه العفوي عن حبه لمصر، استشهد بمشهد من المسلسل المصري “موضوع عائلي” قائلاً: “ألف تحية للناس الحقيقية، والناس العشرية، وأصحاب أحلى نفسية”، ثم أضاف: “فين النفسية الحلوة غير في مصر؟ مصر مش بس فيها حاجة حلوة، دي كلها حاجة حلوة”. هذه الكلمات البسيطة والعفوية أشعلت تفاعل الحاضرين، بداية من فخامة الرئيس المصري عندما طُلب منه التعقيب فقال: “ماذا أقول بعد كل ما قيل؟، فبرغم من أن هذا الخطاب لم يتجاوز الدقيقتين، إلا أنه ترك أثراً بالغاً في نفوس الجميع، ومن ثم الإعلاميين السعوديين والمصريين، ووصولًا إلى الجمهور العام ، فتأثيره لم يقتصر على هؤلاء فقط، بل امتد إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث امتلأت بالمشاعر الطيبة، والتقدير المتبادل بين الشعبين. حتى أن بعض المستخدمين بدأوا يبحثون عن الأغنية التي أشار إليها الوزير في حديثه، فكانت هذه العفوية سبباً في إعادة اكتشافها لدى البعض ، وعمل المُمثلين والمغنيين على توظيف وتسويق ونشر الخطاب مرة أخرى ، موضحين للعالم أجمع مدى فخرهم واعتزازهم بهذه الإشادة من الوزير ، وكأنهم كانوا منتظرين لهذا الحدث حتى يثبتوا ويتأكدوا من نجاح العمل ، الأمر الذي صاحبه البحث العميق عن العمل من قبل المستخدمين مُعلقين عليه ” جايينكم من بعد حديث وزير الطاقة السعودي ” وما أسعدني حقيقة هو وجود بعض الأشخاص من الجانب المصري لم يكن على دراية بالعمل ولم يتابعه حتى ، وكان الوزير هو السبب في معرفتهم به ، والأجمل من ذلك هي الفرصة التي تم استغلالها من البعض لأحياء التواصل مع مجموعة كبيرة من العاملين في المملكة سابقًا ولمن هم موجودين حاليًا ، ممن كانوا مُعلمين وأساتذة لهم في مراحلهم الدراسية أو حتى لمن كان لهم بصمة وأثر في مشوار حياتهم بشكل عام ، من خلال إرسال فيديو الخطاب كدليل على عمق المحبة بين الشعبين ، وأن ما تفضل به الوزير ما هو إلا انعكاس لما يكنّه كل سعودي يعيش على هذا الوطن تجاه بلده الثاني ” مصر” ، وكانت الردود مُشبعة بالتقدير والامتنان ، مع دعوة موحدة: “الله لا يغير علينا – الله يديم المحبة والأخوة بيننا” هذه العلاقة بين مصر والسعودية ليست مجرد علاقة عابرة أو وقتية، بل هي علاقة أخوية متينة، بُنيت على أسس قوية من التعاون والمصالح المشتركة، هي تاريخية ممتدة عبر الزمن ، فاستقرار البلدين مُتكامل، وتنميتهما مشتركة، ولا يمكن لأحد أن يزعزع هذه العلاقة العميقة، مهما حاول فهي علاقة تاريخية تجسد روح التضامن العربي، وتشكل أساسًا للأمن والاستقرار في المنطقة ، ما أود توضيحه هنا هو أن هناك العديد من الخطابات التي عُقدت على مر السنين لتعبر عن المحبة بين البلدين، ولكن ما هو الخطاب الذي بقى في ذاكرتك ، وما هو حجم التأثير الذي تركه هذا الخطاب القصير والبسيط مقارنة بتلك الخطابات الرنانة ، ولأكون واضحًا وعفويًا ولأول مرة أرى خطابًا يُعاد ويُشاهد مرات عديدة ، وأرى أن هذه الدقيقتين تُعادل المئات من الخطابات اللغوية الورقية المُعقدة والتي قد يُعرض عنها ولا ينتظر المُشاهد حتى نهايتها
أخيرا بدأت أجزم بأن هذه الكلمات التلقائية التي خرجت من القلب كانت من بين أعظم الكلمات وأكثرها تأثيرًا على مر الزمن. فخلال دقيقتين فقط ، استطاع سمو الأمير أن يُشعل مشاعر الإخاء بين الشعبين، وأن يغمر منصات التواصل الاجتماعي بموجة من الحب المتبادل ، وهذا يؤكد أن العفوية والبساطة في التعبير من أقوى أدوات التأثير في هذا العصر، خصوصاً عندما تُستخدم بحكمة وذكاء. وهذا ما تحدث عنه عالم النفس الأمريكي “كارل روجرز”، بقوله بأن العفوية هي جزء من الأصالة، وضرورية للتواصل الفعّال والعلاقات الصحية ، وأكدت عليه الباحثة الأمريكية “بيرنيه براون” عندما أشارت إلى أن التعبير العفوي عن المشاعر الحقيقية هو الأساس في بناء علاقات قوية وصلبة.