مقالات و رأي

سحابة أدب ..حين يتحول الصوت إلى كتاب مسموع في معرض جدة الدولي للكتاب..

البروفيسور فيصل عبدالقادر بغدادي..
أستاذ جامعي سابق- مستشار التخطيط الإستراتيجي والقيادة.
زرت معرض جدة الدولي للكتاب 2025 الذي يعتبر حدث ثقافي بارز في المملكة العربية السعودية ويقام في قبة جدة سوبر دوم في الفترة من 11 إلى 20 ديسمبر 2025 تحت شعار «جدة تقرأ» وما أجمل هذا العنوان حيث أن كلمة ” إقرأ”
كلمة واحدة نزلت على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام في غار حراء، فكانت بداية الرسالة وأول إعلان بأن المعرفة هي أساس النهضة وأن القراءة ليست فعلًا شكلياً ، بل وعي تام ومسؤولية.

ومنذ تلك اللحظة ارتبطت الأمة بالكلمة إقرأ لتفهم، وتفهم لتبني، وتبني لتصنع أثرها في العالم أجمع..ويُعد المعرض من أكبر الملتقيات الثقافية في المنطقة حيث يستضيف أكثر من 1000 دار نشر ووَكالة من 24 دولة، موزعة على حوالي 400 جناح، ويجذب عشاق القراءة، الكتاب والمثقفين، والمبدعين من داخل المملكة وخارجها.

وقد تم تنظيم المعرض من قبل هيئة الأدب والنشر والترجمة، ويهدف إلى تعزيز حركة القراءة والمعرفة، ودعم صناعة النشر والترجمة في السعودية، بما يتماشى مع أهداف رؤية 2030 في تنمية القطاع الثقافي والإبداعي.
في هذه النسخة يشمل الحدث عروضًا لأفلام محلية ضمن برنامج ثقافي عريض مما يوسع تجربة الزوار ليشمل الأدب والسينما معاً .
وفي الواقع لمست في المعرض إقبالاً جماهيرياً كبيراً مما يعكس اهتمام المجتمع السعودي والثقافي بهذا الحدث السنوي الجميل..وتحت قبة الثقافة وبين زحام الأجنحة، وبين عناوين الورق والحبر لفت إنتباهي في الواقع تجربة مختلفة أو على الأقل شاهدتها للمرة الأولى هي تجربة لا تقرأ بالعين، بل تُصاغ باللسان و بالقلب إنها «سحابة أدب» التي لم تكن مجرد منصة بودكاست عابرة ضمن فعاليات معرض جدة الدولي للكتاب، بل مساحة ذكية تعيد تعريف العلاقة بين المعرفة والصوت، وبين الشباب وثقافة الحوار.
تقوم فكرة «سحابة أدب» على تجربة سمعية تفاعلية تبدأ بمقطع صوتي قصير، يُنصت إليه المستمع بتركيز، ثم تُطرح عليه أسئلة دقيقة تقيس قدرته على الفهم والاستيعاب.

هنا لا مكان للتلقي السلبي فالمستمع شريك في التجربة، يُمتحن وعيه، وتُستثار قدرته على الإصغاء العميق، وهي مهارة باتت نادرة في زمن الضجيج الرقمي.
ويبرز الأجمل في «سحابة أدب» أنها لا تحاصر المستخدم بقوالب جاهزة، بل تمنحه مساحة حرة للتعبير عن أفكاره وتجربته الشخصية دون قيود والصوت هنا يصبح مرآة للذات، والحوار مساحة آمنة لتشكيل الرأي وصقله، بعيداً جداً عن الإملاءات والتوجيه.. ولا تتوقف التجربة عند حدود الاستماع والتعبير، إذ تقدم منصة «سحابة أدب» دورة مختصرة عملية تساعد الشباب على تحسين مهارات تسجيل البودكاست، والتحكم في نبرة الصوت، واستخدام الإلقاء بوصفه أداة تأثير لا مجرد وسيلة نقل. إنها معرفة تطبيقية تُبنى بهدوء، وتُثمر ثقة متناهية..
كما تتيح المنصة حوارًا تفاعليًا مباشراً بين المستمع و«السحابة» حول موضوع يختاره المستخدم، مع أسئلة تُطرح ضمن وقت محدد للإجابة، ما يعزز سرعة التفكير، ودقة التعبير، والإانضباط الذهني. وتتنوع الموضوعات حسب ما يختاره المستخدم نفسه دون تدخل بين الثقافة في المملكة العربية السعودية، والتجارب الشخصية أوقضايا تمس إهتمامات الشباب المعاصر، لتبقى التجربة قريبة من الواقع، نابضة بالحياة.. وبصراحة في قلب معرض الكتاب، حيث نحتفى بالكلمة المكتوبة .. جاءت «سحابة أدب» لتؤكد أن الثقافة لا تُختزل في الورق وحده فقط ، وأن الصوت، حين يُحسن توظيفه يمكن أن يكون كتاباً آخر يُقرأ بالإنصات.. وثقافة تسمع لتثري خبراتنا..إنها تجربة جميلة وذكية، وجديرة بالإحتفاء والذكر لها لأنها لا تدرب الشباب على الحوار والخطابة فحسب، بل تعلمهم قبل ذلك فن ربما نفقده كثيراً هذه الأيام آلا وهو فن الإصغاء… وهو أول أبواب الثقافة والمعرفة..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى