مقالات و رأي

خالد بن الوليد: نموذج القائد الإستراتيجي قبل نشأة علم الإستراتيجية.

البروفيسور فيصل عبدالقادر بغدادي.
أستاذ جامعي سابق- مستشار التخطيط الإستراتيجي والقيادة.

حين نتأمل سيرة خالد بن الوليد رضي الله عنه، لا نقرأ تاريخ قائد عسكري فحسب، بل نقف أمام نموذج مبكر للتخطيط الإستراتيجي بمعناه الحديث إذ يمتلك رؤية واضحة قرار حاسم ومرونة تشغيلية وقدرة عالية على إدارة الأزمات في أكثر البيئات تعقيدًا فلقد سبق خالد بن الوليد عصره، ليس بالسيف وحده، بل بعقلل كان يقرأ المشهد كاملاً قبل أن تتحرك الجيوش.. فندما قرأت سيرة خالد بن الوليد وجدت أمامي نموذجاً لقائد إستراتيجي له رؤى إستراتيجية عظيمة حسب لغة وثقافة عصرنا هذا .. وعندما أتأمل في هذه الكاريزما القيادية وأركز في قصصها التأريخية وفتوحاتها أجد نفسي أدخل في تفاصيل إستراتيجية لقائد يعتبر من أعمدة الفتوحات الإسلامية إذ أن أول ما تقرأه من تفاصيل الأحداث رؤيتة الإستراتيجية ووضوح الهدف قبل الحركة، وعندما نعرف الرؤية في المفهوم الإستراتيجي نجد أنها القدرة على إستشراف المستقبل وتحديد الغاية الكبرى .. وعندما أتأمل في الأحداث أجد أن عند خالد بن الوليد لم تكن المعركة هدفًا بحد ذاتها بل وسيلة لتحقيق غاية أوسع وأكبر وأعظم آلا وهو الحفاظ على المعنى الحضاري للإسلام بوصفه مشروع قِيم لا مشروع صراع ،وضمان استقراره فهذه الرؤية جعلته يميز بين النصر التكتيكي والنصر الإستراتيجي فكان ينسحب حين يتطلب الهدف ذلك كما ويتقدم حين تحين لحظة الحسم ولكن دون أن يخلط بين الشجاعة والإندفاع.. ومن ناحية أخرى فإن الصحابي خالد بن الوليد يمتلك مهارة صناعة القرار تحت الضغط بسرعة محسوبة دون تهور إذ تعد سرعة إتخاذ القرار أحد أخطر تحديات القيادة الإستراتيجية الحديثة خصوصاً في البيئات عالية المخاطر غير أن خالد بن الوليد جسد هذا المبدأ بوضوح في غزوة مؤتة حين انتقلت القيادة إليه في ظرف بالغ الحساسية، فقام بإعادة توزيع القوات والسرعة في تغيير نمط الإشتباك وإتخاذ قرار الإنسحاب المنظم محافظاً على الأرواح والقدرات القتالية لذا فإنه قرار إستراتيجي أنقذ المورد الأهم آلا هو الإنسان.
خالد بن الوليد يمتلك مرونة إستراتيجية يستطيع من خلالها تغيير الخطة دون تغيير الهدف الرئيس إذ أن المرونة عنده تعني القدرة على التكيف مع المتغيرات دون فقدان البوصلة. فهذا هو خالد بن الوليد مثالاً ا نادراً لهذا المفهوم إذ له القدرة أن يغير تشكيل الجيش، ويبدّل أسلوب القتال ثم يعيد توظيف الموارد بحسب طبيعة الأرض والعدو.
كما أن من قيادة خالد بن الوليد الإستراتيجية هي إدارة الأزمات خاصة القيادة في لحظات الانهيار وحقيقة أنه في علم الإدارة الحديث تقاس القيادة الحقيقية بقدرتها على العمل حين تنهار الأنظمة في المؤسسة. لذلك فإن خالد بن الوليد كان قائد أزمات عظيم جداً وتجلى ذلك أن حضوره في حروب الردة لم يكن مجرد قيادة ميدانية بل إعادة بناء للثقة وضبط للفوضى وتحويل التهديد الوجودي إلى فرصة لترسيخ الدولة وضبطها على الطريق الصحيح فلقد أدرك أن الأزمة ليست حدثاً عابراً بل اختباراً للنظام القيادي بأكمله إذ أن قيادة خالد بن الوليد التنفيذية ليست محصورة في التطبيق بل هي تنتقل من التخطيط إلى التطبيق والتنفيذ الفعلي.

وبصراحة فإن دراسة قادة عظماء أمثال خالد بن الوليد الذي تتلمذ وأخذ من التوجيهات النبوية من مدرسة سيد البشر نبينا وسيدنا محمدٍ عليه أفضل الصلاة وأتم السلام دراسته اليوم وغيره من عظماء الأمة خاصة صحابة رسول الله من القادة الذين كانوا عظماء
فإن قراءة سيرة نبينا العظيم وصحابته بتركيز لنتعرف على لغة التخطيط الإستراتيجي التي يتبعونها لتكشف لنا أن مبادئ القيادة العظيمة لا يحدّها زمن. فالرؤية ،والقرار والمرونة، وإدارة الأزمات ليست مفاهيم مستحدثة، بل سنن قيادية جسّدها نبينا الكريم وتعلمها صحابته رضوان الله عليهم..
فهكذا كانت قيادة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم الذين وضعوا الإنسان أولًا والسلام مقصداً وطمأنينة للمجتمع وهي هدف تبنوه وتمسكوا بع قبل أي انتصار حققوه..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى