كايةٌ لا تُطوى.. بل تُروى

كايةٌ لا تُطوى.. بل تُروى
بقلم الكاتب / عدنان أحمد السقاف
وأدرك شهرزادَ الصباح فسكتت عن الكلام المباح
بالأمس، أسدل معرض الكتاب بجدة 2025 ستائره، لا بوصفه فعاليةً عابرة، بل حكايةً مكتملة الأركان؛ دخلها الزائر قارئاً، وخرج منها محمّلاً بأسئلةٍ أجمل من الأجوبة.
نجح المعرض؛ لأنه لم يكتفِ بعرض الكتب، بل أعاد الاعتبار لهوية القراءة، كطقسٍ إنسانيٍّ يُقاوِم العجلة، ويمنح المعنى وقتَه كي ينضج.
نجح لأن جدة – عروس البحر – فتحت ذراعيها للكلمة؛ فدخلت القاعات مضمَّخةً بالضوء، وخرجت منها الأفكار أكثر ملوحةً وصدقاً.
وفي قلب هذا المشهد، كان للإعلام صوتٌ لا يعلو، لكنّه يصل، وصورةٌ لا تلمع، لكنّها تبقى..
هنا يحضر الدكتور أحمد القاري، ذلك الذي أحببتُ أن أسمّيه (مكوك المعارض)! لا يهدأ، ولا يكرّر نفسه، ولا يتعامل مع الحدث كخبرٍ يُسلَّم، بل كحكايةٍ تُروى.
كان في كل معرض كشهرزاد ..
لا يسهر حتى الصباح، بل يمتد به الليل إلى ساعةٍ متأخرة، يعيد فيها تنسيق ما التقطه، ويُحمِّض صوره، كما يُحمِّض الراوي حكايته قبل أن يقدّمها لجمهورٍ ينتظر.
يعمل بصمتٍ دقيق، ويعرف متى يبدأ السرد، ومتى يترك للقارئ متعة الاكتشاف.
ولأن الحكايات لا تكتمل إلّا بلقاءٍ صادق، فقد كان لي شرف اللقاء به في ذلك المعرض.
الدكتور أحمد القاري، الذي جعل من حضوره امتداداً طبيعياً لروح المكان.

في المدينة المنورة، عرفناه شاهداً ومشاركاً، وفي جدة كان حاضراً بذات الشغف، ينتقل بين الأجنحة كما تنتقل الجملة الرشيقة بين المعاني..
يسأل بذكاء
ويصغي بأدب
ويمنح الكاتب والقارئ مساحةً متساوية من الاحترام.
وحين طلع الصباح، وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح، لم يكن الصمت فراغاً، بل وعداً..
وعدَ حكايةٍ أخرى، في معرضٍ قادم، وصباحٍ جديد يبدأ من حيث انتهت الحكاية.
هكذا يكون الإعلام حين يتماهى مع الثقافة: لا يطوي الصفحة؛ بل يضع علامةً صغيرة في آخرها، ويبتسم قائلاً : للحديث بقية.



