الأفلام السينمائية وزلزلة المعتقد والأخلاق

الأفلام السينمائية وزلزلة المعتقد والأخلاق
بقلم / أحمد القاري
من أخطر أبواب الفتنة في عصرنا الحاضر هو السحر والشعوذة والعرافة والذي يُبثّ عبر الشاشة المستطيلة التلفاز، وما تبعه من منصات فضائية ورقمية.
لقد تحولت هذه الوسيلة، التي كان الأصل فيها أن تكون نافذة للمعرفة والتثقيف، إلى معبر خفيٍّ تبثّ من خلاله مشاهد الرعب والسحر، وتمتمات الطلاسم والتعويذات، حتى غدت البيوت التي تتابعها مرتعاً للخوف والاضطراب، بدل أن تكون سكناً وطمأنينة.
السحر حقيقة لا خيال، وقد أخبرنا القرآن الكريم عن خطره في قوله تعالى:
﴿ واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا… ﴾ [البقرة: 102].
فالسحر وسيلة الشيطان الأولى لفتنة الناس، وزعزعة يقينهم، وصرفهم عن عبادة الله.
وقال النبي ﷺ محذِّراً: «اجتنبوا السبع الموبقات» قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر…» [رواه البخاري ومسلم].
فجعل السحر من المهلكات الكبرى، لعظيم أثره على القلوب والعقول.
وإذا كان السحر قديماً يتطلب لقاء الساحر وتلقّي الطلاسم مباشرة، فقد صار اليوم يصل إلى البيوت بلا استئذان، عبر مشاهد مرئية وأصوات مسموعة، يظن المشاهد أنها تمثيل، لكنها في حقيقتها تعويذات حقيقية، تُتلى بتمويه في أفلام الرعب، خصوصاً تلك التي تروّج لعوالم الجن والشياطين، شأنها شأن الأغاني المعكوسة التي يتولد منها رموز شيطانية تؤثر على سامعها.
وأثر السحر الإعلامي على النفوس والبيوت بيّن وجليّ.. فقد حُكي عن أُسرٍ كثيرة أنها بعد متابعة هذه الأفلام، تغيّرت أحوالها :
– أطفال أصيبوا بالكوابيس والفزع.
– بيوت تحولت من سكينة إلى مصدر رعب.
– أفراد تبدّلت طباعهم، وضعف يقينهم، واهتزت ثقتهم بالله.
وهذا ما أشار إليه الحكماء قديماً حين قالوا : “النفس كالزجاجة، يَسودّ صفاؤها بما يدخلها من كدر” فما بالك إذا كان الداخل هو أصوات الشياطين ومعازف الظلام؟
قال ابن خلدون : السحر هو علمٌ بكيفية استعدادات تقتدرُ النفوس البشرية بها على التأثير في عالم العناصر بغير مُعين أو بمعين من الأمور السماوية·
والأول هو السحر والثاني هو الطلسمات··(جمع طلسم وهو العمل أو الرُقية)’ ·
وهذه المنصات تعمل على صناعة الخوف وترويج السحر، فلماذا يحرص صُنّاع الأفلام على إدخال هذه الطلاسم والرموز في أفلامهم؟
الجواب: لأن هناك غزواً ثقافياً وعقدياً، يراد منه :
– إضعاف يقين المسلم بربه.
– بثّ الرعب ليبقى العقل مشغولًا بالخوف بدل السكينة.
– الترويج لفكرة اللجوء إلى السحر أو القوى الخفية بدل التوكل على الله.
وقد قيل في أمثال العرب: “إذا هابَ الإنسانُ عدوَّه، صار له عليه سلطان.” وهكذا يفعل الإعلام الغربي اليوم، يزرع في النفوس الخوف حتى تُستدرج إلى مواطن الضعف.
فما العلاج والوقاية من ذلك؟
الوقاية من هذه الفتنة تكون بتحصين البيت بالقرآن والذكر، لا بفتح الأبواب للكيانات السوداء.
قال تعالى : ﴿ إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ﴾ [النحل 99].
وقال النبي ﷺ: «إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة» [رواه مسلم].
فلنجعل من بيوتنا محاريبَ طهارة لا مداخلَ فتنة، ولنتذكّر أن هذه الشاشات إن لم نضبط محتواها، قد تتحول إلى بوابة للشياطين.
وأختم فأقول : إن السحر عبر الأفلام واقع خفيّ، يلبس ثوب الترفيه ليدخل إلى النفوس بنعومة مرعبة، وإن أخطر ما فيه أنه يضعف الإيمان، ويهزّ اليقين، ويستدرج الناس إلى عوالم الظلام.
فلنحذر من هذا الغزو، ولنستمسك بوصية الله ﴿ فاتخذوه عدواً ﴾ [فاطر: 6]، ولنستضئ بالقرآن الذي هو شفاء ورحمة، ولنعلم أن من اعتصم بالله فلن تضره طلاسم المشعوذين، ولا طقوس المضللين، وما تتلوه الشياطين.



