تسعُ غرزٍ وعشرُ أصابع

محمد الرياني
خاط له الطبيبُ الجراحُ تسعَ غرزٍ على الجانبِ الأيمنِ من جسدِه في جوِّ عملياتٍ لم يمنع حرارةَ القلقِ والترقُّب ، كان هذا يومَ الأحدِ من أيامِ شهرِ أغسطس الذي بدأ فيه الجوُّ يعتدلّ على القريةِ الجنوبيةِ الرابضةِ بين أحضانِ واديين ، مرَّتْ ساعةٌ من الزمن كانت كافيةً لخياطةِ جرحٍ بتسعِ غرزٍ مع وخزاتِ ألمٍ خفيفةٍ بين ثانيةٍ وأخرى مع وجودِ تخديرٍ يحيط بالألم ، دارَ حوارٌ لطيفٌ بينه وبين الطبيبِ الذي يتحدثُ الانجليزيةَ وقليلًا من العربيةِ وبينهما طبيبٌ يساعدُ الطبيبَ الجرَّاحَ في المهمة ، كان الحوارُ مدعاةً لتخفيفِ الآلام ؛ ربما النفسيةِ بشكلٍ أكبر ، انتهتِ المهمةُ وسطَ تهاني الفريقِ الطبي ، صعدَ به عاملٌ يدفعَ به السريرَ إلى الطابقِ الثاني حيث استقبالُ عملياتِ جراحةِ اليومِ الواحدِ الذي استقبله في الساعةِ السابعةِ من صباحِ يومِ الأحدِ نفسه .
طلبَ منه الطبيبُ التوجُّهَ إلى المركزِ القريبٍ منه لوضعِ غيارٍ على الجرحِ يومًا ويترك يومًا حتى يحين موعد العيادةِ بعد نحو عشرةِ أيامٍ من إجراءِ العملية .
غادرَ الطابقَ الثاني محاطًا بباقاتِ دعواتٍ من طاقمِ القسمِ الأكثر من رائع .
ذهب في الموعدِ إلى مركزِ الرعايةِ الأوليةِ القريبِ حاملًا على جانبه الأيمنِ تسعَ غرزٍ خيطتْ بعنايةٍ وإتقانٍ .
كان المركزُ الذي استقبله في قمةِ جاهزيتِه لصنعِ عنوانٍ آخرَ للحدثَ الأجمل ، وبسرعةٍ طلبتْ منه ممرضةُ الاستقبالِ أن يذهبَ إلى غرفةِ الطوارئ من أجلِ تغييرِ لاصقِ الدواءِ على الجرح .
اجتمعتْ على شقِّه الأيمنِ من الصدرِ عشرُ أصابعَ مع تسعِ غرزٍ طبيةٍ في مشهدٍ فريدٍ في يومين مختلفين ، بدتِ الخياطةُ رائعةً عندما نظرَ إليها لأولِ وهلةٍ فشكرَ الطبيبَ ومعاونَه والطاقمَ الطبي في العمليات .
عاد بعد يومين للرعايةِ الأوليةِ لتعقيمِ الجرحِ وتجديدِ العلاج وبدا حوارُ الغُرزِ التسعِ مع الأصابعِ العشرِ وكأنه الحوارُ الأجملُ الذي طافَ به مبضعُ الجرَّاح ؛ بينما أصابعُه العشرُ تشيرُ بتحيةِ الشكر .
نهضَ من على السريرِ بخفةٍ كتلك الخفةِ التي سبقتْ أيامَ الألم .
لم ينس أن يقولَ لهم إنَّ أصابعَ التمريضِ العشرِ في مركزِ الرعايةِ المجاورِ كتبَتْ عنوانًا آخرَ مدهشًا على صفحةِ العلاج .



