مقالات و رأي

مرافئ الشِّعر بين الصحيّح والقاري

مرافئ الشِّعر بين الصحيّح والقاري

بقلم / عدنان السقّاف

في الأمسيات التي يتكئ فيها الضوء على أكتاف الكلمة، وتفوح من الأرواح رائحةُ الشعر قبل صوت الشاعر، تنبثق لحظاتٌ كهذه.. لحظاتٌ تُمسك فيها العدسة نبضاً لا يُرى، وتدوّن ما تعجز عنه اللغة إلّا إذا تطهَّرت بنقاء الشعر.

هاهنا يقف الشاعر د. أحمد القاري.. وجهٌ يلمع كحرفٍ نازل من علياء الحكاية، رجلٌ يعرف كيف يجعل من الجملة مجرّة، ومن الفكرة ريشةَ نور، ومن النصّ طريقاً يمشي عليه القارئون كأنما يطؤون ندى الفجر ، يمتدُّ قلمه حيث تُولد الحكمة، وتتشكل دهشةُ الطفل في صدر رجلٍ يعرف قيمة الكلمة، ويحفظ لها مكانتها بين العقل والقلب، يقف إلى جوار الشاعر القدير والأديب النحرير الأستاذ جاسم الصحيّح “القصيدة التي تمشي على قدمين” – كما وصفته الشاعرة القديرة الأستاذة حوراء الهميلي- ، وابتسامةٌ تُشبه الموازين التي تُعيد للروح اتزانها كلما اختلّ مَدُّ الحياة وجَزْرها.. شاعرٌ إذا تكلّم أصغى له الحرف، وإذا كتب انحنت له البحور، وإذا ألقى قصيدته انتشى المجلس كحديقةٍ داستها قدَما الريح العليلة، هو من أولئك القلة من الشعراء الذين ينثرون الشعر جزلاً، فلا تقع كلمة إلّا على قلبٍ يتفتحُ بها.


تلتقي الروحان.. القاري والصحيّح في صورةٍ واحدة، كأنما الزمنُ أراد أن يوقّع بينهما عقدَ صداقةٍ من ذهب، تُوقّعه الابتسامة ويختمه الشعر. وما بينهما تتردد أصداء الأدب:
هنا أنفاس الصحيّح وهنا حكمةُ القاري، وفي المنتصف يقف الذين يشهدون أن الشعر ما زال قادراً على أن يجمع القلوب ويُقيم في صدور الناس وطناً صغيراً من نور.

تحيةٌ تليق بالمقامين، تُشبه انحناءةَ القلم حين يشرع في كتابة بيتٍ من ذهب، وتحيةٌ أعمق، ملؤها الامتنان حين يلتقي عشّاق الأدب بقمّة من قمم البيان وبجانبه رجل امتزج بشعر الصحيّح، وانعجن بتراتيله.

دامت ساحاتكم مشرقة،
ودامت حروفكم أبواباً يطرقها العابرون؛ فيجدون خلفها سكينةً وجمالاً .

مع خالص الود والتقدير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى