مقالات و رأي

رفيق اللعب ،،، رفيق النمو

✍/ ليلى سعد القحطانى 

في أحد الأيام، وبينما كنتُ في الحديقة أستمتع بهدوء المكان، لفت نظري طفل يجلس بمفرده في إحدى الزوايا، وعلامات الحيرة ترتسم على وجهه. وبعد قليل، اقترب منه طفل آخر، تبادلا بضع كلمات خجولة، ثم انطلقا معًا نحو ساحة اللعب وكأن بينهما صداقة قديمة.

تلك اللحظة البسيطة كانت كافية لتُذكرني بأن الصداقة لا تحتاج لمقدمات طويلة.
ليست الصداقة مجرد ترفٍ في حياة الطفل، بل هي إحدى الركائز الأساسية في نموه النفسي والاجتماعي. فمن خلالها،

يبدأ في بناء أولى علاقاته خارج دائرة الأسرة، ويخوض تجارب تُكسبه مهارات لا تُلقَّن، بل تُكتسب عبر التفاعل الحي والمباشر. ومن خلال علاقاته مع أقرانه، يتعلّم أسس الحوار، وآداب التواصل، واحترام الاختلاف، وحل الخلافات بطريقة سلمية.

وتُعزّز الصداقة لدى الطفل شعورًا قويًا بالقبول والانتماء، وهو شعور جوهري في بناء ثقته بنفسه. الطفل الذي يدرك أن هناك من يُصغي إليه ويشاركه اهتماماته، يكون أكثر قدرة على التعبير عن ذاته، وأقل ميلاً إلى العزلة أو الانسحاب الاجتماعي. فالصديق بالنسبة للطفل ليس فقط رفيقاً في اللعب، بل مرآة تعكس له جزءًا من مشاعره وهويته.

كذلك، تسهم الصداقة في تنمية روح المسؤولية والانضباط لدى الطفل. فمع الوقت، يبدأ في إدراك أهمية الالتزام، ومراعاة مشاعر الآخرين، والوقوف إلى جانب أصدقائه في المواقف المختلفة. وهي قيم تتكون بعيدًا عن الوعظ المباشر الذي غالباً يصدر من الأسرة، فتتشكل هذه القيم تدريجيًا من خلال التجربة اليومية.

أما من الناحية الاجتماعية والفكرية، فتُعلّم الصداقة الطفل كيف يتفاوض، ويُعبّر عن رأيه، ويتقبّل وجهات النظر المختلفة. وخلال المواقف البسيطة التي يمر بها أثناء اللعب الجماعي، تتطوّر لديه مهارات حل المشكلات، واتخاذ القرار، والعمل التعاوني. وكم من حوار عفوي بين طفلين كان سببًا في ترسيخ قيمة أو توسيع أفق.

ولا يمكن إغفال دور الصداقة في إثراء خيال الطفل وتعزيز إبداعه. فعندما يلعب مع أصدقائه، يبتكرون معًا عوالمهم الخاصة، ويخترعون ألعابًا من وحي خيالهم، مما يعمّق تجربته الوجدانية ويزيد من تفاعله النشط مع محيطه.

في النهاية، تبقى الصداقة عنصرًا أساسيًا في بناء شخصية الطفل. إنها ليست مجرّد وقت يمضي في اللعب، بل علاقة تُسهم في تكوين وعيه، وتنمية مشاعره، وصقل سلوكه الاجتماعي. ومن المهم أن يُدرك الأهل أن تشجيع الطفل على تكوين صداقات صحية لا يقل أهمية عن الاهتمام بتعليمه أو تغذيته أو راحته النفسية. كما يجدر بالوالدين أن يكونا على وعي بطبيعة هذه العلاقات، لا من خلال المراقبة الصارمة، بل بالدعم والملاحظة الهادئة، لضمان أن تكون الصداقات متناغمة مع قيم الأسرة، ومصدرًا حقيقيًا للنمو والتوازن .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى