مقالات و رأي

“خارج الإطار”

عبهر نادي

لم تكن الحياة يومًا مستطيلة الزوايا،ملساء الحواف،مضاءة بإضاءةٍ ناعمة تشبه فلاتر الصور.
لكن شيئًا ما تغيّر !
صرنا نقُصُّ أيامنا لتلائم حجم (الإطار)، ونبتسم حتى وإن لم تكن داخلنا ابتسامة.
صرنا نُطوّع اللحظة لا لنعيشها،بل لنُخرج منها مشهدًا قابلاً للنشر.
كأن الحقيقة أصبحت مزعجة ، إلى درجة أننا لم نعد نملك الشجاعة لنعيشها كما هي فخلقنا لأنفسنا حياةً تُشبهنا فقط من الخارج.
في عصرٍ باتت فيه الصورة تتفوّق على الكلمة، والواجهة على الجوهر تسلّل شكل جديد من الضغوط خِفيةً إلى الأرواح:
(هوس المثالية الرقمية)
ووسائل التواصل الاجتماعي التي بدأت كمساحة للتقارب والتعبير،تحوّلت تدريجيًا إلى واجهاتٍ مصقولة
تُدار بمنطق العرض لا العيش.
أصبح الفرد مُخرجِاً فيها لحياته ينتقي ما يُظهره،
ويُخفي ما لا يليق بالمشهد.
فنُشرت النجاحات،
واختفت الهشاشة،
وتوارت خلف الصور المبتسمة مشاعر القلق والوحدة والتعب.
المشكلة لا تكمن في المشاركة ذاتها، بل في تحويلها إلى معيارٍ للحياة نقيس به أنفسناوالآخرين،ونقارن يومًا عاديًا بمشهدٍ مُعدَّل ومُبالغ فيه.
هكذا ينشأ إرهاقٌ نفسيٌّ صامت، ومطاردةٌ مستمرة للكمال،
وخوفٌ من الظهور كما نحن، لأن الصدق لا يناسب “الصورة”.
نحن لسنا بحاجة لترك المنصّات، او اغلاق هواتفنا بل أن نستعيد وعينا ونحن نستخدمها.
دعونا نحتفل بالنقص في يومنا العادي، وبالفوضى الجميلة التي نعيشها
وبالكوب الذي لم نلتقط له صورة.
دعونا نُعيد للحياة حقيقتها، وللإنسان حقّه في أن يكون غير كامل…
ولكنه صادقاً .
فالحياة ليست إطارًا،
ولا تُختصر بعدسة.
هي أوسع ..وأصدق..
وتُعاش، لا تُعرَض .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى