وراء القضبان .. قصة من نسج الخيال

بقلم : البرنسيسة أميرة العسيف أم الأمر
أنهكه التعب وهد قواه السير الحثيث والعطش أخد منه مأخذ الروح وأيضا للجوع معه نصيب فمند ليلةٍ ونصف لم يدذق طعم الأكلِ،
أخذه النعاس فغفى على أريكة ممزقة ملوثة اختفت ألوانها أصبحت باهتة.

كان يسعى لإيجاد لقمة سائغة لأولاده وأهل بيته، يخشى من النظر إليهم صفر اليدين بلا شيء يقتاتون به ويسد رمقهم، شعور اليأس أكبر من تخيله لرؤيتهم يلهثون ويتضورون جوعا .
ألم الحرمان بارد يختلج الأضلاع فيكون كالمسامير تدخل بين لحمك كلما تخطو خطوة .
ما عساه يفعل الحرب أخذت الكثير
باتت القرية معدومة الموارد مهشمة البنيان
مسلوبة الحرية
مغتصبة للحقوق
صوت المدافع يستفيق كل لحظة
والشظايا شوهت المباني
وتناثرت الجثث في الممرات
وطلقات البارود كأنها شهب نازلة كرش المطر ،
والدخان يتصاعد من كل مكان لا تعرف بأي اتجاه يكون
ورائحة الموت تخنق الأنفاس
وأصوات الصراخ تتعالى من النساء لفقد الأعزاء وهلع الأطفال مما حولهم فلا أمان في المكان ولا من مجير يقدم يد العون لمن غرق في بئر الدمار ،
ما ذنب النساء والأطفال في كل هذه المجازر ؟
وما هي جريمتنا؟
اختفت الأجوبة، وما عاد للسؤال ورقه ، ولا للرد مجال ،
مزقت الصحف ، وأحرقت بنار الغدر وقلة الحيلة ،
لون البياض طغى على الأسود شابت القلوب والشعور
والهرم واضح على الملامح الشاحبة ،
وجوه مغبرة لكثرة الهرب من براثن الذئب، وسطوة العملاق المرعب تنظر هنا وهناك .
كل شيء تغير لم نعد نعرف أين نحن وكأن القيامة قد قامت على رؤوسنا ‼
جلس على الأرض يجثو على ركبتيه ويداه المشققة على الرماد ينفضها مرة وينفث فيها من الألم أخرى،
قلت السبل والأمل ضاع من كل جزء منا، وهو يبحث عن مصدر للأكل لم تبقي النار مزارع ولا حتى الفتات غير رماد متراكم بعضه فوق بعض.
وأصبح السماد جثث الموتى، والثمر أطفال أبرياء صوت بكائها يخترق السماء فلا مغيث إلا إله العرش المجيد
والخضار الذابل هن تلك النساء المرملات والمتزملات بجلباب الحسرة التي لا يعرفون على من تكون ،
الظلام يخيم على الطرقات واطفئت قناديل الرحمة، فلم يبقى إلا أنين الثاكلات
اقضهن الجوع والعطش وآلم أرواحهم الفراق ونغص عيشهم انعدام الأمان
بات اليل مهجور الاُنس ، العيون لا تهجد والقلوب لا تنام ، والأرواح يعانقها السهر
▪▪▪▪
خرج وهو يوعد أولاده وأهله أنه لن يعود بلا خبر عن الطعام.

لم يطل التفكير كثيراً في مصيره المخبأ ،لم يعد للفكر مقام، جل فكره في كيف يوفر لتلك الافواه ما يبقيها على قيد الحياة .
وهو يتسأل‼ من نفع الحياة بلا حياة ؟
ألقى بنظرة بائسة على زوجته وكأنه يودعها الوداع الأخير
وبات يحدق ويطيل النظر في فلذات أكباده الأربعة ويقول في قرارة نفسه أخشى أن تكون هذه آخر اللقيا بيننا ‼
كان صبورا، ولكن نظرة الشفقة لعياله ، وكيف سيكون ذلك المربي في أعين صغاره حينما يتعذر لهم بعدم قدرتة على إيوائهم والحفاظ عليهم ، ماذا سيكون الجواب ؟
إذا كان السؤال سهماً فالأجوبة ستكون الدماء ‼
خرج يبحث عن فرصة ثمينة يجوب البيوت الفارغة والأزقة الضيقة والأبنية المهجورة عله يجد الأمل بإحداها.

خاطر بنفسه وهو يجوب الشوارع ويفتش عن ملجأ يختبئ فيه مع كل صوت قادم أو دبة رجل
لم يجد شيء سوى قطط كان لها جزء من الثأر حتى هي لم ينصفها القدر فكثير أصابه سهم المنية ،
رحمااااااك ياللللللللللله
ما هذا؟ ما الذي يحدث ؟ما كل هذه الضغينة ؟
ما من مجيب ليرد على اسئلته
تعب من كل شيء
لم يدري أين يُنيخ بدنه
لم يدري بنفسه الا وأحدهم يركله برجلة القاسية معدومة الإحساس
أفاق وكأنه بحلم، لم تكن نظراته ثابتة مما ألم به من خوف وهلع يسرق الأنفاس
لم يستطع الكلام فقد اوثقوا يداه من خلفه ولطمه أحدهم على وجهه مما أدى إلى تمزق شفتاه

لم يحاول الهرب ولا حتى المقاومة يعرف ما سيحدث، سيكون مصيره كالبقية البائسة الذين قضوا نحبهم بأرجل الظلم والطغيان،
أخذوه ملبب ومصفد في الحديد إلى مكان ذو رائحة نتنة ورطبة، لا تسمع بها سوى أصوات صراخ من ألم الغربة وألات التعذيب
زجه أحدهم وتركة واقفل عليه الباب بقفل كبير وسلاسل
لم يكن له خيرة
الا الاستسلام للقدر ‼
ليرى ما يؤؤؤل اليه أمره فلا راحم الا الله العلي العظيم

 

عن شعبان توكل

شاهد أيضاً

ما نشدت الشمس عن حزن الغياب، علّمتنا الشمس نرضى بالرحيل

بقلم / فايزة الثبيتي – جدة لون هذا الفجر  أسود … ‏يضج في صمته كل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.