مقالات و رأي

النموذج السعودي ما بين شرف الخدمة وعظمة الانجاز

عمرو عادل بسيوني

عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى

حظيت بفرصة الاطلاع المباشر على حجم الجهود الجبارة التي تبذلها المؤسسات الحكومية في المملكة العربية السعودية لخدمة ضيوف الرحمن، ووقفت على منظومة متكاملة من الخدمات التي تجسد حرص الدولة واهتمامها البالغ بالحجاج ، فما شهدته من تنظيم دقيق وتنسيق متكامل بين الجهات المختلفة يعكس التزامًا استثنائيًا من الدولة، قيادةً ومؤسسات، لتقديم تجربة حج نموذجية تُحتذى عالميًا، وهو الأمر الذي تجلى في كل تفاصيل الرحلة، إذ بدا لي أن هذه الجهات تتنافس في ميدان شرف لا يُضاهى، هدفها الأسمى هو راحة الحاج وضمان سلامته ، وقد كان لي شرف تلقي دعوة خاصة لحضور “ملتقى الحج”، وهو تكريم أشعرني بكم كبير من الفخر والامتنان، فهذه الدعوة لم تكن مجرد مناسبة إعلامية بل نافذة عميقة على تفاصيل الجهود المبذولة، ما أتاح لي فرصة فريدة للوقوف على هذه الإنجازات عن قرب، مما زاد من إيماني بمدى حرص المملكة على تقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن ، فهذه التجربة زادت من تقديري لمدى

التنسيق والتنافس الإيجابي بين الجهات الحكومية المختلفة، التي تعمل بلا كلل أو ملل من أجل توفير بيئة آمنة وميسرة للحجاج ، الأمر الذي أشعرني بروح التنافس الإيجابي بين الجهات الحكومية في تقديم الخدمات بأعلى المعايير، حيث تسعى كل جهة إلى الابتكار في الأداء والارتقاء بجودة ما تقدمه، وكأن الجميع في سباق شرف هدفه الأول والأخير هو راحة الحاج وسلامته. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، الجهد الكبير الذي تقوم به وزارة الداخلية في تنظيم دخول الحجاج، عبر تطبيق نظام التصاريح بدقة وصرامة، وهو ما ساهم في الحد من الازدحام، وضمان انسيابية الحركة داخل المشاعر، حمايةً للأرواح، وتيسيرًا لأداء المناسك بأمان وطمأنينة. هذا النظام التنظيمي يعكس الرؤية الحكيمة التي تمنع الدخول العشوائي ، وتحافظ على سلامة الجميع، مما يجعل الحج أكثر أمانًا وسلاسة ، وهي ليست بمعزل عن الرؤية الوطنية الطموحة التي يقودها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حيث أحدثت “رؤية المملكة 2030” نقلة نوعية في شتى القطاعات، وكان قطاع الحج والعمرة من أبرز المستفيدين منها.

فقد أصبح الاعتماد على التقنيات الحديثة، والذكاء الاصطناعي، وحلول الاستدامة، جزءًا لا يتجزأ من منظومة الحج الحديثة، وهذا التوجه جعل المملكة في مُقدمة الدول التي تستثمر التكنولوجيا لخدمة الإنسان وتنظيم الحشود بكفاءة عالية , وعلى سبيل التوضيح ، اطلعت على عدد من المبادرات النوعية، منها مشروع وزارة النقل بالتعاون مع شركة “كِدانة” لإعادة تدوير إطارات السيارات وتحويلها إلى أرضيات مطاطية تُستخدم في المشاعر، وهي تقنية تساهم في تقليل درجات الحرارة وتسريع حركة المشاة، بما يعكس توجهًا نحو حلول ذكية ومستدامة، مع التركيز على راحة الحاج، وتقليل التعب والإرهاق الذي قد يصيبهم خلال أداء المناسك ، كما لفت انتباهي الاستخدام المتقدم للذكاء الاصطناعي من قبل وزارة الداخلية لرصد الأخطار قبل وقوعها، من خلال طائرات مسيرة وأنظمة تحليل بيانات دقيقة، الأمر الذي يعكس مستوى عالٍ من الجاهزية التقنية والأمنية.

فتوظيف هذه التقنيات الحديثة يساعد الجهات الأمنية من اتخاذ الإجراءات الوقائية بشكل مُبكر، مما ينعكس إيجابًا على سلامة الحجاج وطمأنينتهم أثناء أداء مناسكهم ، ومن المشاريع البارزة التي تجسد هذا الاهتمام، إنشاء مستشفى ميداني متكامل بسعة تتجاوز (200) سرير، في مدة قياسية لا تتجاوز( 90) يومًا ، لتكون جاهزه لتقديم الرعاية الصحية للحجاج على مدار الساعة، ما يدل على كفاءة عالية في التنفيذ السريع والمواكب لأعلى معايير الجودة ، هذا المشروع ليس فقط تعبيرًا عن الجاهزية الطبية، بل هو دليل على قدرة المملكة على التعامل مع الأعداد الكبيرة من الحجاج وتوفير خدمات طبية متطورة بكل سهولة ويسر .فالدور الذي تقوم به المملكة من استثمار مالي وبشري وتقني لخدمة الحجاج لا يمكن حصره، فالمليارات تُصرف سنويًا دون تردد، فقط من أجل راحة ضيوف الرحمن، في صورة تعكس مدى شرف هذه المهمة، وعمق المسؤولية التي تتحملها تجاه الحجاج، وهو ما يبعث في النفس فخرًا كبيرًا واعتزازًا بهذه الجهود التي تتجاوز حدود العطاء العادي إلى مستوى أسمى من الإخلاص والتفاني ، فما رأيته وعايشته عن قرب يدعو للفخر والامتنان، ويؤكد أن المملكة باتت نموذجًا متقدمًا في إدارة الحشود ، وتوظيف التقنية ، وتحقيق التكامل المؤسسي ، لخدمة الإنسان أولًا، فهي بذلك تُرسّخ مكانتها الريادية على خارطة الحج العالمية، وتُعيد تعريف مفهوم خدمة ضيوف الرحمن من خلال منظومة متكاملة تجمع بين القيم الإنسانية وأحدث معايير التنظيم والتميز

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى