الصديق اللدود عدوك الحميم

الصديق اللدود عدوك الحميم
بقلم / أحمد القاري
في دروب الحياة نصادف ألواناً شتى من الأصدقاء؛ فمنهم الصادق الوفي الذي يشد أزرنا في اليسر قبل العسر، ومنهم من يتزيّى بزيّ المودة، ويغلف قلبه بطلاء الرحمة، لكنه لا يحمل في جوفه إلا الضغينة والحسد.
ذلك هو الصديق اللدود عدوّك الحميم؛ الذي لا يواجهك بعداوةٍ سافرة، بل يبتسم في وجهك ليخفي وراء ابتسامته خنجراً مسنوناً مسموماً.
هذا اللدود تجده يتفانى في المديح والإطراء، يثني على خصالك ليلَ نهار، ويغالي في الثناء حتى يخيل إليك أن قلبه ملتصق بقلبك، وأن إخلاصه لك لا يتزعزع..
فإذا ما أدبرت عنه، أو لم تلتفت لمجاملاته، انكشف معدنه، وسلقك بألسنة حداد، يلوك عرضك، ويشكك في نواياك، ويبحث عن مقاتلك ليطعنك فيها.
هو شخص تكره مجالسته، لأنك تعلم أن ودَّه مشوب بحقده، وأن ابتسامته مطلية بضغينة. يحسد كل ناجح، ويغتاظ من كل سعيد، حتى إنه لا يكاد يطيق رؤيتك مكللاً بثمرة جهدك.. يتقرب منك لا محبةً، بل تجسساً، ليعرف أسرارك وخطواتك، ثم يضرب في مواضع الضعف ليهدم ما بنيت بجهد السنين.
الصديق اللدود سمٌّ في العسل، وابتسامةٌ عذبة تحمل عذاباً، فظاهره فيه الرحمة، وباطنه من قِبَله العذاب. كنسيم عليل في بلاطك، وريحٍ عاصفٍ في غيابك.
وقد جاء في القرآن الكريم تحذير من هذا اللون من الناس، قال تعالى ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾ [البقرة: 204].
وقال سبحانه ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 9].
وفي الحديث الشريف قال رسول الله ﷺ: “آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان.”
فما أشبه الصديق اللدود بالمنافق؛ في لسانه لين، وفي قلبه غلّ دفين.
وجاءت الحكم والأمثال تنبّه من خطره، فقالت العرب : “عدوٌ عاقل خيرٌ من صديق جاهل.” ودعوا الله فقالوا : “اللهم اكفني شر صديقي، أما عدوي فأنا كفيل به”.
وكما جاء شعراً :
احذر عدوك مرةً
واحذر صديقك ألفَ مرةٍ
فلربما انقلب الصديقُ
فكان أدرى بالمضرّة
بيتان صادقان، يختزلان التجربة، ويؤكدان أن خطر الصديق اللدود أعظم من خطر العدو المعلن، لأنه يعرف مكامن قوتك وضعفك، ويأتيك من حيث لا تحتسب.
وفي مثل العرب
من مأمنه يؤتى الحَذِر”
هذا امتحانٌ للقلوب، وعبرةٌ للعقول، وموعظةٌ للألباب: أن نزن الرجال بأفعالهم لا بأقوالهم، وبصدقهم لا بمظاهرهم، وأن نعلم أن الصديق الحق هو من إذا غبت ذكرك بخير، وإذا حضرت أعزك بصدق، وإذا نجحت هنّأك وبارك لك بكل بشر تقرؤه في تباشير وجهه.



