مقالات و رأي

من اعتاد التميز والتفوق يُدرك حتمًا غصة المُلحق

عمرو عادل بسيوني    – http://aabasuony @

في كرة القدم، كما في كل مؤسسة ناجحة، لا يتحقق التميز بالصدفة، بل بالتخطيط الإداري المؤسسي القائم على وضوح الرؤية وتحديد الأهداف وبناء القرارات على أسس علمية ومنهجية.

فـ”التخطيط المؤسسي” هو الإطار الذي يضمن الاستقرار الإداري ويمنع الارتجال في القرارات، لأنه يعتمد على رؤية طويلة المدى لا تتغير بتغير الأشخاص أو النتائج المؤقتة ؛ لكن ما نراه اليوم في مشهد المنتخب الوطني يبدو بعيدًا عن هذا المفهوم، حيث تتكرر الأخطاء ذاتها وكأننا نبدأ من الصفر في كل مرة.، فالمشهد لم يكن بهذا الارتباك من قبل، ففي كرة القدم لا يُقاس النجاح بعدد التصريحات ولا بمظاهر الاحتفال اللحظي، بل بمدى وضوح الرؤية واستقرار القرار.

إلا أن ما نعيشه اليوم يثير الكثير من علامات الاستفهام حول طريقة الإدارة وآلية اتخاذ القرارات التي تبدو أقرب إلى ردأت الفعل منها إلى التخطيط المتزن. فبعد أن كان المنتخب عنوانًا للثبات والهيبة، أصبح يعيش حالة من الارتباك لا تليق بتاريخه ولا بإرثه الكبير. وضحت فصول التخبط للجميع عندما أُقيل مدرب المنتخب قبل بطولة مهمة بأيام معدودة،

ليُستبدل بآخر لم يحصل حتى على الوقت الكافي لبناء خطة أو التعرف على اللاعبين، ثم لا يلبث أن يعود المدرب السابق مرة أخرى وكأننا ندور في حلقة لا تنتهي.

وبين هذه وتلك، تتكرر الملاحظات ذاتها: معسكرات تُلغى في اللحظة الأخيرة، مباريات ودية تُفقد بسبب سوء التنظيم، تصريحات متناقضة تبرر الأداء المتراجع، وبرامج إعداد تتغير كل بضعة أشهر بلا مبرر منطقي. كل ذلك يحدث والمنتخب في حالة من الغموض، وكأننا نعيد التجربة من نقطة الصفر في كل مرة. ففرحة الجماهير بالتأهل الأخيرة كانت ممزوجة بغصّة، تتضح عندما ترى “كبير العرب وآسيا” يتأهل من الملحق بعد أن كان معتادًا أن يكون من أوائل المتأهلين، صمتنا يومها احترامًا لفرحة التأهل، لكن حين يخرج أحد المسؤولين في لقاء تلفزيوني ليبرر ذلك قائلًا  “التأهل من الملحق ليس عيبًا ، وهذا العام كان مليء بالإنجازات للوطن  ”، فمن هنا يبدأ القلق الحقيقي. لأن مثل هذا التبرير لا يبدو واقعيًا بقدر ما هو مكابرة عند الخطأ، وهو ما يجعل الجماهير تشعر بعدم الاطمئنان على مستقبل منتخبها. فحين نبرر الإخفاق بدلاً من معالجته، نفقد القدرة على التصحيح، ونزرع في النفوس شعورًا بأننا نقبل بالقليل بعد أن كنا نطمح للكثير.

على مدى السنوات الماضية، غاب المنتخب السعودي عن البطولات الكبرى وتراجع حضوره في المنافسات القارية والعربية، رغم ما يزخر به من مواهب وقدرات فنية مميزة، ورغم هذا الغياب عن البطولات، لم يختفِ المنتخب عن أرضية الملعب، فقد كانت الجماهير ترى دائمًا لاعبيه واقفين بثقة أمام أقوى الفرق، يُفرض احترامهم وهيبتهم، ويُعتبرون من المرشحين الأوائل للمسابقات، أما اليوم، فالمشهد مختلف تمامًا: تراجع في الأداء، غياب للرؤية، وقرارات متناقضة جعلت الجماهير تشعر بالخذلان مرات عدة، ونحن كجماهير محبة لمنتخبها، نعيش انزعاجًا حقيقيًا من هذا التراجع؛ فمن المؤلم أن يُختزل اسم بلدنا العريق في كرة القدم في تبريرات سطحية وتصريحات لا تُقنع أحدًا، وأن تُختزل طموحات الملايين في مجرد “تأهل من الملحق”، بينما كنا نحلم بالذهب ونتغنى بالألقاب، أخيرًا الجماهير لم تفقد حبها للمنتخب، لكنها فقدت الثقة في إدارة لا تعترف بأخطائها ولا تواجه الواقع بشجاعة، فالمنتخب الذي كان يومًا مصدر فخر وهيبة أصبح اليوم بحاجة إلى من يُعيد له توازنه واحترامه قبل التفكير في ألقابه، والسؤال الأهم: هل سنملك الشجاعة لمواجهة الأخطاء بجدية والتعامل مع أسبابها الحقيقية، أم سنظل ندور في حلقة التبريرات والتكرار حتى نفقد ما تبقى من هيبة “الأخضر” وتاريخه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى