الصداقة- رفقة تضئ الطريق و صديق يشبه الطمأنينة

بقلم البروفيسور/ فيصل عبدالقادر بغدادي
لأن الصداقة ليست مجرد علاقة عابرة بل هي مساحة الأمان التي يلجأ إليها الإنسان حين يشتد عليه العالم وجدت قلمي يكتب عن الصداقة لأنها مرآة الروح وملجأ القلب وصوت خفيف يرمم ما تكسره الأيام رغبت أن أكتب عنها لأنها من أثمن الهدايا التي يمنحها الله للإنسان ولأن تاريخنا نفسه شهد أعظم صورها في رفقة خليفة رسولنا الكريم أبي بكر الصديق للنبي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام … صداقة تشعرك دائماً أن الوفاء ما زال ممكناً…الصداقة ذلك الخيط الرفيع الذي يربط الأرواح قبل الأكتاف هي ليست زمالة عابرة ولا تواصلاً يأتي بمواسم يشبه مواسم المطر تأتي حيناً وتغيب حيناً بل الصداقة الحقيقية أصلاً من أصول الطمأنينة وعلاقة تُكتب بالقلب قبل أن تُقال باللسان، وتختبر بالمواقف لا بالوعود. هي تلك اليد التي تمتد إليك قبل أن تطلب، وذلك الصوت الذي يسمع وجعك حتى وإن لم تنطق، وذلك الرفيق الذي لا يثقل عليك بوجوده، ولا يخذل قلبك حين تضيق بك الدنيا.
الصديق الحقيقي ليس مرآة تُريك ملامحك كما تحب، بل ضوءٌ خفيف يكشف لك الطريق حين تمشي بعيداً وتضل الطريق فيعيد ترتيب دواخلك حين يربكك العالم .. الصديق يفرح لفرحك بقدر فرحه لنفسه، ويحزن عليك كأنّ ما أصابك أصابه. هو شريك دعائك، وسرُّ قوتك حين تتداعى أعمدة الأيام، وهو وحده من يمنحك شعور “أنا في هذا العالم لست وحدي” في اللحظة التي تخشى فيها السقوط…
ولأن الصداقة قيمة تتجاوز حدود اللغة والمألوف فقد شهد التاريخ أعظم مثال تجسّد فيه معنى الوفاء والرفقة الصادقة… صداقة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لرسول الله نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم.. حيث لم تكن صداقة تُقاس بعدد السنوات بل بدرجة الإيمان، وبعمق الموقف، وبقوّة الثبات على الحق حيث وقف أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس، وصدقه حين كذبه القوم، وواساه حين اشتدت المحن فكان أول من آمن، وأول من قدّم، وأول من حمل معه ثقل الرسالة بقلبٍ ثابت لا يلتفت ، وفي لحظة الهجرة الخالدة، حين كان الخوف يحيط بالغار، وقف أبو بكر لا يخشى على نفسه، بل يخشى على حياة صاحبه النبي عليهزأقضل الصلاة وأتم السلام فيقول له: يارسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لرآنا فيجيبه المصطفى رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم “ما ظنّك باثنين الله ثالثهما.”
فكانت تلك اللحظة درساً خالداً في معنى الصحبة، وفي كيف يكون الصديق سنداً، لا بطلاً على المسرح، بل قلباً يقف خلفك حتى النهاية…
الصداقة ليست ترفا إنسانياً بل ضرورة تعادل الهواء. نتكئ عليها في منعطفات الحياة، ننهض بها عندما يثقُل العالم على أكتافنا.. والصديق الحقيقي ليس الأكثر حضوراً، بل هو الأكثر صدقاً، والأقدر على الاحتفاظ بنقائنا مهما تغيّر الزمن خاصة في زمن تتعدد فيه الوجوه وتتكاثر فيه العلاقات العابرة، يبقى الصديق الأصيل نادراً كالجوهرة التي لا يبهت بريقها وكالظل الذي لا يغادر مهما تنقلت بك الطرق…
الصديق الوفي هو هبة من الله في طريقك كي يخفف عنك مشقة الرحلة، ويذكرك أن في هذا العالم قلباً يشبه قلبك، وروحاً تعرف كيف تُنصت إليك حتى دون أن تتكلم…فهنيئاً لمن وجد صديقاً يشبه أبا بكرٍ الصديق ..
وهنيئاً لكل قلب عرف معنى الرفقة الحقيقية… قبل أن يشيخ بداخله الأمل..


