في زحمة الأعوام وتغير الأرقام

الدكتورة : إيمان حماد الحماد
بنت النور/http://@bentalnoor2005
يأتي العام الحديد بوصية الوقت ، وتجديد الوعد ..
يأتي برسالةٍ تُلقى في بريد القلوب؛ رسالة تقول: ما مضى خبرة، وما أتى فرصة، وبينهما إنسان يصوغ مصيره بما يختار ويصبر ويجتهد.
هو بابٌ يُفتح لا ليُمحى الماضي، بل ليُفهم، ولا ليُنسى العناء، بل ليُستثمر، فالأيام لا تُهدى لمن ينتظرها، بل تُكافئ من يُحسن استقبالها.
في مطلع العام تتصافح الأمنيات، وتتعانق العزائم، وتنهض الهمم من رقادها، كأن الزمن يهمس: آن أوان النهوض، فالساعات شهود، والأعمار ممرّات، والفرص لا تُقيم طويلًا لمن يتردد.
يُطلُّ العامُ الجديد كفجرٍ يتسلّل في هدوء، لا يطرق الأبواب صاخبًا، بل يهمس في الأرواح: أنا صفحةٌ بيضاء، فاكتبني كما تشاء.
يمضي الزمنُ لا يلتفت، ولا ينتظر المتثاقلين، يحمل أعوامنا على كتفيه، ويترك لنا أثرها في القلوب والعقول، فمن أحسن القراءة أحسن المسير، ومن وعى العبرة وعى المصير.
العام الجديد ليس رقمًا يُضاف إلى العمر، بل فرصة تُضاف إلى الوعي؛ هو ميزانٌ تُوزن فيه النيات، وتُقاس به الخطوات، ويُختبر عند عتبته صدق العزم وقوة الإرادة. فيه تُراجع النفوس حسابها، وتُرمَّم الأحلام المتعبة، وتُغسل القلوب من غبار الخيبات، لتعود أنقى وأصلب وأقدر على المواصلة.
ما أجمل أن نستقبل العام الجديد بقلوبٍ لا تحمل حقدًا، وبعقولٍ لا ترضى بالركود، وبأرواحٍ تؤمن أن السقوط درس، وأن التأخر ليس نهاية، وأن الطريق وإن طال لا يخلو من ضوء لمن أحسن السعي وأخلص النية.
هو عامٌ نزرع فيه الصبر، ونحصد فيه الرضا، ونشدّ فيه أزر الأمل، ونوقن أن الله لا يضيع تعب المجتهدين، ولا يخيب رجاء الصادقين.
فلنجعل العام الجديد عهدَ إصلاحٍ لا موسمَ أماني، ومسيرةَ عملٍ لا محطةَ انتظار؛ نُحسن فيه القول، ونتقن الفعل، ونوازن بين الطموح والواقع، وبين الحلم والحكمة.
نفتح فيه نوافذ التفاؤل، ونغلق أبواب التخاذل، ونتعلّم أن القوة ليست في القسوة، بل في الثبات، وأن العظمة لا تُصنع بالضجيج، بل بالإنجاز.
عامٌ جديد… نريده أقرب إلى الله، وأصدق مع الذات، وأوفى للقيم، وأجمل في الأثر.
فإن كان الماضي تجربة، فالمستقبل رسالة، والوقت أمانة، والعمر رأس مال، والخاسر من أنفق أيامه في غير ما يرضي الله ويُعلي الإنسان.
عامٌ جديد هو عهدٌ مع النفس: أن نُقوّم الاعوجاج، ونرمّم ما تصدّع، ونزرع الخير حيثما مررنا، فالحياة لا تُقاس بطولها، بل بعمق أثرها.
فلنستقبل أيامه بقلوبٍ واعية، لا مُتعجلة، وبخطى ثابتة، لا مترددة؛ نُحسن العمل، ونُجيد الأمل، ونُراهن على الصدق والإتقان، فهما زاد الطريق، ونور الدرب، وميزان النجاح.
ولنجعل من كل صباح بداية، ومن كل مساء محاسبة، فبالمراجعة تُصفّى النيات، وبالاستقامة تُستقام المسارات.
يا عامنا الجديد، نأتيك بعقولٍ تعلّمت، وقلوبٍ صقلتْها التجارب، وأرواحٍ تؤمن أن بعد العسر يُسرًا، وأن من جدّ وجد، ومن زرع حصد. نأتيك لا نطلب المعجزات، بل نطلب توفيقًا يعانق الجهد، وسكينة تُبارك السعي.
فليكن عام البناء لا الهدم، والعطاء لا الشكوى، والعمل لا الأمنيات؛ عامًا نُحسن فيه الظنّ بالله، ونُحسن فيه صنع الأثر، ونترك في طرقاته بصمة تُحكى، وسيرة تُحمد، وذكرى تُضيء.
كل عام وأنتم أقرب إلى أحلامكم، أصدق مع أنفسكم، وأجمل أثرًا في حياة من حولكم.
كل عامٍ ونحن نكتب أيامنا بحبر الحكمة، ونختم أعوامنا بتوقيع الرضا، ونمضي… وقد ازددنا قربًا، ونضجًا، ونورًا.
عامٌ جديدٌ وفي الآفاقِ موعظةٌ
تُهدِي القلوبَ إذا ما خالطَ الفكرُ
نمضي ونحملُ في الأعمارِ أمانةً
فالوقتُ إن ضاعَ لا يُجدي به العذرُ
فازرعْ رجاءَكَ فعلًا لا أمانِيَّةً
فالأمنياتُ إذا لم تُثمرِ الهدرُ
واجعلْ طريقَكَ صدقًا لا تلوُّنَ فيه
فالصدقُ أولُه نورٌ وآخرُه ظفرُ
أما أنا …
سأمضي وخطوي في الزمانِ يقينِي
وأجعلُ من فجرِ الرجاءِ سنينِي
إذا ما مضى عامٌ حملتُ دروسَهُ
وغنّى بقلبي الشوقُ بعدَ أنينِي
أُصافحُ أيّامي بعزمٍ وحكمةٍ
ولا ينحني ظهري لريحٍ تهينِي
وأعلمُ أنَّ اللهَ يكتبُ خيرَهُ
لمن سلَّمَ الآتي لربٍّ يمينِي
فيا ربِّ عامًا لا يُخيّبُ آملًا
ولا يُطفئُ الحلمَ الجميلَ بدينِي
أُريدُهُ نورًا، وسِترًا، ورحمةً
ويُبقيني في لطفِ الإلهِ مكينِي



