د. البلوشي: زيارة جلالة السلطان للسعودية لتوطيد العلاقات وتسريع الوتيرة بين البلدين

بقلم د. يوسف البلوشي

تعد المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان أكبر دول الخليج من حيث المساحة، كما يشكل تاريخهما الحضاري الضارب في القدم سياقا متشابها أسهم في تشكيل هوية منطقة الخليج العربي، التي قادتها ضرورة الجغرافيا السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتأسيس منظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، والتي يأتي على إثرها التقارب العماني السعودي الراهن كخط تقويمي للعودة إلى المسار الصحيح، الذي ينتهج تفعيل كل ما من شأنه النهوض بالمواطن والمؤسسات في كلا الدولتين ضمن إطار قيادات سياسية واعدة، تختط طريق التكامل والتعاون في وقت أصبح ذلك ضرورة تاريخية ملحة لا مناص منها، وعودةً لاجترار التاريخ السياسي نجد أن كلا من السلطان قابوس بن سعيد (طيب الله ثراه) والسلطان هيثم بن طارق ( أعزه الله) كانت قبلتهما في أول زيارة رسمية المملكة العربية السعودية، حيث لاقت هذه الزيارة المرتقبة لجلالة السلطان هيثم بن طارق (أعزه الله) والتي أتت بدعوة كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (حفظه الله) حفاوة منقطعة النظير على الصعيدين الرسمي والشعبي.

التحديات والمعوقات العامة:
قد يكون من المهم أولا التعريج على بعض التحديات والمعوقات العامة على سبيل المثال وليس الحصر والخارجة عن إرادة الدولتين أحيانا في تثبيط وتيرة تطور التعاون بين منظومة دول المجلس عامة والتي من ضمنها السلطنة والسعودية على وجه الخصوص، تجلت أبرزها في الآتي : رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة الأمريكية والأزمة القطرية وحرب اليمن والأزمة السورية وحروب صدام وظهور الإرهاب والصراع الصيني الأمريكي الاقتصادي والاتفاق النووي الإيراني مضافا إليه توتر العلاقة الإيرانية السعودية والمؤمل أن تذهب إلى حل، ومماحكات الشركات الغربية وأطماعها في النفط الخليجي وتقلبات سعر النفط.
المؤشرات الاقتصادية:
إذا حاولنا قراءة المؤشرات الاقتصادية في ظروف هذه العلاقة والتي قد تدلل على محاولة فهم الرغبة في هذا التحول المستلهم من رؤية (عمان 2040) و (المملكة 2030) والتي تأخذ المنطلقات ذاتها بالأخص في الجانب الاقتصادي بالرغم من الاختلاف الهائل في حجمي الاقتصادين، الجدير بالإشارة إلى أن السلطنة اقتنصت حصة توازي 7.32% من إجمالي حجم التبادل التجاري غير النفطي بين المملكة العربية السعودية ودول الخليج في الربع الأول لعام 2021، ويبلغ عدد الشركات السعودية العاملة في السلطنة ما يقارب 1079 شركة سعودية مستثمرة في المجالات الاقتصادية والإنتاجية المتمثلة في قطاعات التجارة والإنشاءات والخدمات، وأفادت نشرة وزارة الاقتصاد (يوليو 2021) حول العلاقة الاقتصادية العمانية السعودية بأن معدل النمو السنوي للواردات السعودية إلى السلطنة يمثل ما نسبته 6.94% في الخمسة أعوام المنصرمة علما بأنه خلال 2020 ارتفعت هذه النسبة لتمثل 16.6% بينما 7.4% هو معدل النمو للصادرات العمانية إلى المملكة، في حين أن حجم الاستثمارات السعودية المسجلة بالسلطنة بلغ 188 مليون ريال عماني فقط؛ وهو أمر لا يلبي الطموح.
1. التكامل في الشقين المالي والاقتصادي:
أ‌) يشكل التكامل بين حجم الاقتصاد السعودي الذي يعوض محدودية حجم الاقتصاد العماني بالمقابل أحد الحلول أو المخارج الحقيقية التي من شأنها أن تنقل هذه العلاقة الاقتصادية المؤملة إلى مستوى مثمر، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد السلطنة 24.8 مليار ريال عماني، أما السعودية كأحد أعضاء مجموعة العشرين فتمتلك ناتجا محليا إجماليًا يبلغ 2.531 تريليون ريال سعودي، فبالنظر للفارق الكبير بين الأرقام المطروحة يتضح حجم الفرص التي يمكن توظيفها في هذا الشأن .
ب‌) الشق المالي: ماليًا لا يخفى على أحد ما تمر به السلطنة من تحديات مالية متمثلة في حجم الدين العام وارتفاع الكلفة التشغيلية للحكومة بالمقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي لها.
ج‌) يمثل الولوج إلى أسواق دول مجموعة العشرين فرصة هائلة لرفد الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة بعوائد غير نفطية وذلك من خلال العمل بقاعدة التوسيع الاقتصادي لا تنويعه فقط حيث سيمنح ذلك السلطنة إمكانية الاستفادة المتمثلة في تمكين أكبر لقطاعها الخاص وتوظيف فائض المعرفة بين السوقين وتفعيله مما قد يشكل إحدى المعالجات المهمة للاقتصاد العماني لاسيما وإنه سيساعد على إحداث اتزان في النمو الاقتصادي والتوازن المالي.
2. حاضنة للمكاتب التحضيرية لمشاريع المملكة:
علينا الوضع في عين الاعتبار أن مثل هذه الشراكات الاستراتيجية عادة ما تطمح إلى أهداف مشتركة تكاملية أحيانا، وتنافسية في أحيان أخرى، وبمقدار ما كل دولة تسعى إلى جلب الاستثمار الخارجي إليها ربما علينا أن نبني توقعات تتسم بالواقعية والتفاؤل واضعين نصب أعيننا أن المأزق العالمي متشابه، الأمر الذي يقودنا إلى تحديد الدور التكاملي بين الدولتين ليتم ترجمته إلى واقع ملموس بمبدأ الربح للجميع، على سبيل المثال ربما يمكن للسلطنة لعب دور لوجستي وفني كحاضنة للمكاتب الخلفية والتحضيرية للكثير من الاستثمارات العاملة في المملكة، وسيقود هذا الأمر إلى تحقيق مفهوم التنافسية المشتركة حيث إن اجتماع بيئتي الأعمال سيتيح للشركات الأجنبية العمل في المملكة والسلطنة بجدوى اقتصادية أكبر بمعنى أنه سيكون طرف تفاوضي واحد للجزأين، واضعين المحيط الهندي والبحر الاحمر كإطار جغرافي عام للفكرة .
3. البوابة إلى المحيط الهندي دون المضايق:
ربما من أبرز ما يمكن تقديمه من الجغرافيا العمانية هو وصول المملكة إلى المحيط الهندي دون المرور بتقلبات المضايق والقنوات المائية التي تشكل عصبًا للحركة اللوجستية العالمية، هذا الأمر سيتيح للصادرات السعودية الوصول إلى الأسواق الآسيوية والأفريقية بشكل أسرع وتكلفة أيسر وأقل مع مخاطر أقل بضمانة أكبر.
4. حقل شيبة:
يشكل حقل شيبة البري في المملكة أحد أهم المشاريع المحتملة في مجال الطاقة والذي يمكن تفعيله وصولا لعوائد نفطية أفضل للاقتصاد السعودي، ويكمن تحدي تطوير الحقل في الوصول إلى جدوى اقتصادية لهذا المشروع، ويُمكن حل ذلك من خلال ربطه للتصدير من الموانئ العمانية، حيث يمكن للمملكة تقليل تكلفة هذا المشروع من خلال الاستعاضة بأحد الموانئ العمانية كميناء صحار الذي يبعد حوالي (300 كم) أو ميناء الدقم (650 كم) من خطوط الإنتاج علمًا بأن أقرب ميناء سعودي يمكن ربطه مع حقل شيبه يبعد 1000 كم في المنطقة الشرقية.
5. طريق بري يربط بين السلطنة والمملكة :
يمثل هذا الطريق أول خط بري مباشر بين الدولتين دون الدخول إلى دولة الإمارات، وهذا في حد ذاته مكسب إستراتيجي، ناهيك عن ما سيختصره هذا الطريق من مسافات وإجراءات وتكاليف، كما سيساعد على تعزيز المشترك الثقافي والاجتماعي للشعبين الشقيقين، وصولا إلى احتمالية تطوره إلى مشروع ربط خط قطار عماني – سعودي مشترك، مع الأخذ بعين الاعتبار ما قد يسهم به به هذا الخط في تقليل عمليات التهريب والتجاوزات وصولا إلى تجفيف منابع العمليات الإرهابية في هذه الصحراء، كما سيكون للطريق تداعيات إيجابية على حركة الاقتصاد المشترك.
6. فرصة للتوسع:
السعودية أيضا فرصة كبيرة للتجارة العمانية بالتوسع إلى هناك بالإضافة إلى دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العمانية السعودية ليكون بإمكانها التشارك للوصول إلى حجم أكبر. أما الشركات الصغيرة والمتوسطة فبالإمكان أن تكون الاستفادة ضمن مسار باتجاهين:
أ‌. حكومي من خلال نقل نموذج التجربة السعودية للشركات الصغيرة والمتوسطة.
ب‌. أصحاب أعمال من خلال محاولة إيجاد ارتباط ما بين رجال الأعمال في الدولتين.
7. الاستفادة من الرأس المال البشري:
يمكن للسوق السعودي الاستفادة من الرأس المال البشري العماني والعكس صحيح، الأمر الذي من شأنه أن يضمن تحقيق بعض المنافع أبرزها استيعاب الباحثين عن عمل، وتبادل ونقل معرفة مهنية ، وإحداث تنوع في العمالة في ظل سياق ثقافي بيئي واجتماعي متشابه.
إن العلاقة الاقتصادية العمانية السعودية تتجه إلى مرحلة شبه حتمية لضرورة انتقالها إلى شكل من التكامل الوثيق وهو أمر ذو أهمية لتمكين اقتصاد البلدين، لاسيما في ظل وجود الكثير من التقاطعات في المنطلقات والأهداف والنتائج المتوخاة. وهذا التكامل سيشكل أحد أهم المحفزات في الوصول برؤيتي البلدين، لكن لابد أن تمتلك الخطة التنفيذية المشتركة للانتقال إلى هذا التكامل عاملين رئيسيين هما السرعة والكفاءة في التنفيذ، حيث إن أخذ وقت طويل والاستفاضة في مناقشة جميع التفاصيل سيثبطان من التقدم وربما يضعان العربة أمام الحصان.

عن شعبان توكل

شاهد أيضاً

كلمة أمين منطقة الباحة الدكتور علي بن محمد السواط

إننا كمسؤولين ومواطنين نفخر ونعتز ونشيد بمبادرة السعودية الخضراء التي تم إطلاقها في العام 2021م …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.