الشخصية المتكاملة… جوهرٌ ينبض بالإيمان

حوار: د. لبنى شتا
يشرفني أن ألتقي بكم في لقاءٍ أسبوعي نُسلّط فيه الضوء على رموز عربية مرموقة لها جذور عريقة و أصيلة، وفكر متفتح، وثقافة ذاخرة، ونظرة ثاقبة تحمل الخير في كل اتجاه. نرحب اليوم بشخصية بارزة في مجال التعليم والتنمية، مؤمن بأن الأوطان لا تُبنى إلا بسواعد أبنائها وتضحياتهم، وأن نهضة الأمة تنبع من استثمار ثرواتها البشرية والطبيعية والدينية والحضارية. ضيفنا هو الدكتور المهندس مدحت يوسف، و هو شخصية عربية كبيرة ذات جذور مصرية أصيلة و هو الخبير الاستراتيجي في التعليم، ورئيس عدد من الشركات المتخصصة في تطوير وإنشاء المشاريع التعليمية الذكية.
في البداية، سألنا الدكتور: كيف يبدأ الإنسان بناء ذاته بناءً متكاملاً؟
أجاب قائلًا:
“الإنسان منذ أن خلقه الله عز وجل خُلق لهدف عظيم، وقد سخّر له ما في السماوات والأرض لأداء هذه المهمة المقدسة. قال الله تعالى: ﴿وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون﴾، وهذه العبادة تشمل كل ما يرضي الله من قولٍ وعملٍ وسعيٍ نافع في الأرض. وبالتالي، فإن أول لبنة في بناء الذات هي أن يُدرك الإنسان غايته، ثم يُكوّن شخصيته بناءً على الإيمان، والعقل، والأخلاق، والسلوك. فهذا هو الأساس في بناء الإنسان المتكامل.”
ثم طرحنا عليه السؤال التالي: ما ملامح الشخصية المتكاملة من وجهة نظركم؟
أوضح الدكتور مدحت قائلاً:
“الشخصية المتكاملة ليست مظهرًا خارجيًا ولا لقبًا أكاديميًا، بل هي جوهر ينبض بالإيمان، يقوده وعي، وتوجهه أخلاق، ويترجمه عطاء. قال تعالى: ﴿قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دساها﴾، فالنجاح الحقيقي يبدأ من تزكية النفس وتربية الضمير، وإعلاء القيم قبل السعي وراء المال أو الشهرة. ويؤكد النبي ﷺ هذا المعنى بقوله: إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق. فالأخلاق هي القاعدة التي تبنى عليها الشخصية الصادقة والمتزنة والمبدعة.”
سألناه: هل لعبت الرسالات السماوية دورًا في بناء الإنسان؟
فقال:
“بكل تأكيد. الرسالة المحمدية جاءت لترتقي بالإنسان من الداخل، وتعيد تشكيل روحه وسلوكه وقيمه ليكون طاقة فاعلة في بناء مجتمعه، لا عبئًا عليه. فبالأخلاق تُبنى الثقة، وبالصدق تُصان العلاقات، وبالأمانة تُنهض الأمم. بل إن أول نداء إلهي في الإسلام جاء في قوله تعالى: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾، وهو نداء إلى العقل لينهض ويقود الحياة نحو الخير والعلم والنور.”
وهل هناك علاقة بين العلم ونهضة الإنسان؟
أجاب بثقة:
“العلم هو طريق التحرر من الجهل والتبعية، وهو الأداة الأولى للتغيير والإبداع. لكن في الإسلام، لا يُفصل العلم عن الأخلاق؛ فالعلم وسيلة لعمارة الأرض وتحقيق العدل. والإنسان الحقيقي هو من يتجاوز ذاته ليخدم غيره، ويصنع الخير لوطنه وأمته. ويكفينا قول رسول الله ﷺ: خير الناس أنفعهم للناس. هذه هي خلاصة الرسالة: أن يكون الإنسان نافعًا، مخلصًا، صادقًا في مهنته، حريصًا على الخير للناس جميعًا.”
سألناه: في هذا العصر السريع والمتغير، هل تحتاج الأوطان إلى أبناء أقوياء بدنيًا أم فكريًا؟
أجاب الدكتور مدحت يوسف:
“نحن نعيش زمنًا تتسارع فيه الأحداث وتتعاظم فيه التحديات. وبالتالي، فإن الأوطان تحتاج إلى أبناء يمتلكون شخصية متكاملة، تؤمن بالله، وتُدرك دورها في الحياة، وتتقن العمل، وتُحب أوطانها. فالأوطان لا تُبنى بالجدران بل بالبُناة من البشر، أولئك الذين يعرفون واجبهم تجاه أنفسهم ومجتمعهم، ويتحملون مسؤولياتهم بشجاعة ووعي. بناء الشخصية المتكاملة عبادة، وواجب، ورسالة، وهي الأساس الحقيقي في بناء الأمم.”
وفي الختام، ما رسالتكم إلى المربين والمعلمين وأولياء الأمور؟
قال الدكتور مدحت:
“علينا جميعًا أن نُنشئ جيلًا يعرف ربه، ويهذب نفسه، ويتقن علمه، ويخدم وطنه. جيل يُرضي السماء، ويُعمر الأرض، ويصون القيم، ويؤمن أن له دورًا في نهضة أمته. فبناء الإنسان هو الاستثمار الأذكى والأبقى في تاريخ الأمم.”



