محمد الرياني
تمامُ الواحدةِ منتصف النهار ، المكانُ عند البحر ، يكاد البحر يغلي من سَطوة الشمس ، اختفت طيور الغربان التي عادة ما تتبادل النعيق على رؤوس الأشهاد مع الغروب ، هدوءٌ ساخنٌ يلفُّ المكان ، ظهرَ الصيفُ قاسيًا جدًّا فاختفتِ الوجوهُ التي تعشقُ وجهَ البحر ، غير أني اخترتُ هذا الوقتَ لأكون شاهدًا وقتَ الغياب ، أسألُ نفسي عن الجنون الذي دفعني لأزورَ البحرَ والناسُ قد أحجمتْ عن زيارته ، هل كان الطقسُ الحارُّ مجحفًا في حقِّ الذين يعشقون البحر؟
تأتي الإجابة على الفور مُحملةً بالوعيد ، ارجع من حيث أتيتَ واتركِ البحر وحيدًا يشتاط غضبًا حتى تبتعد عنه الشمس أكثرَ وتحنو عليه فيبتسم وجهه ومن ثَمَّ عُد لتجدَ الآخرين يُصفقون من فرطِ الفرحة .
بالفعل تبدو هذا الإجابةُ في غايةِ الإقناع ، تذكرتُ حوارًا ذات مساءٍ بين غُرابين يبدوان جميليْن وسعيديْن على الرغمِ من ذاكرةِ الناسِ حول شؤم الغربان والتفاصيلِ السوداءِ عن تاريخِ تلك الطيورِ صاحبةِ الصوتِ غير المريح.
اقتربَ المساءُ أكثرَ وانزوى بعضُ لهيبِ الصيف وكأنه يكتب عنوانَ الوجهِ الآخر للبحر ، وكان هذا بالفعل الذي حصل ؛ عاد إلى البحرِ محبوه ، وحان وقتُ المغيبِ والغربان تودعُ بعضها وتفسحُ المجالَ للآخرين بالبقاء حيث القمرُ يستعد للتجلي من أجل أن يسكبَ على وجهِ البحر شيئًا من جماله ورونقه .
كان مساءً رائعًا مسحَ صورةَ منتصفِ النهار ، لم يكن المنتصفُ من أجلِ النزهة ، هكذا قلتُ لنفسي ، وجهُ الشمسِ مع البحرِ هي لحظةُ الخلوةِ للحلِّ الأمثل ، تألَّقَ النهارٌ واشتاطَ حرارة ، وأطلَّ وجهُ المساءِ باسمًا ، لم أكن الشاهدَ الوحيد على وجهِ القمرِ وصفحةِ البحرِ ؛ شهدَ الصغارُ أيضًا ووقَّعُوا على المشهدِ الفاتن .