صبيا

محمد الرياني
اجتمع المساء واجتمع المكان ، اجتمع المساء واختلف العمر ، الساعة الـ١١ ليلًا ، في المساء البعيد امتطيت صهوة حمار صغير ، كنت صبيًّا في التاسعة ، وفي المساء القريب امتطيت صهوة سيارة وقد تضاعف العمر أسباعًا ، الاثنين هو المساء الجميل الذي يؤم الكادحون فيه صبيا كي تشرق شمسها عليهم بعدما يببتون قريبًا منها بين الدواب والأحمال ، ويصبحون على أصواتها ، والمساء القريب سرت نحو مناسبة فرح وحيدًا بلا ضجيج أوتعثر ، وعندما تدخل صبيا يتغير كل شيء ، هذا الشعور عندي ، في مساء صبيا ينتظرني عشاء مع الآخرين ، وفي الاثنين البائد البعيد أفطرتُ صغيرًا في حي من أحياء صبيا مع الكبار قبل أن أذهب لبيع الحمار ، كانت السيدة ( ليلى) مثل بشائر الخير التي ترعد وتبرق على الوادي الشهير ، والذين تشرق عليهم الشمس في صبيا لا بد أن يمروا على دار الضيافة بثمن بخس عند أروع السيدات ، وفي الاثنين الذي كبر وكبرنا معه غادر الضيوف وبقيت أتأمل وجه صبيا في صور العرس ، ملامح العريس نايف وأسرته ، وملامح الفرحين ، وصوت المؤثرات والأهازيج ، غادرت قصر الأفراح ، لفت انتباهي حديقة تعج وتضج بالجالسين ، طاب لي السهر ، مر بجوار أنفي رائحة أوراق شجر العروج في مساء الاثنين البعيد ، واصطفت أمام عيني الدراجات الأنيقة وقطع الحلوى في سوق الثلاثاء ، حرصت على الابتياع من سوق الحديقة عشاء لصغيرتي ، صغيرتي التي كنت في مثل عمرها عندما ذهبت لأبيع حمارًا مع المسوقين بثلاثين ريالا ، كان مساء رائعًا في الحديقة ، الصغار والكبار في قمة الأنس والفرح ، أردت أن أبيت في ليل الاثنين الحاضر كما فعلت بالأمس البعيد ، غير أن العمر ألقى بثقله والآهات أشارت بأن أغادر المكان ، تركت مساء صبيا؛ صبيا التي يشبه وجهها وجه الحسان ، وصوتها مثل صوت تغريد العصافير على ضفاف واديها ، تفرق المساءان واجتمعا في ليل فرح ، صبيا التي يكتبها التاريخ تاريخًا متفردة في فتنة سحرية لم أعرف بعد ما الذي يجعلني أهيم بها ، هي أكبر من سوقها العتيق ، وليالها ومساءاتها الجميلة ، وأكبر من إشراقاتها ومساحات الحقول ، صبيا هي صبيا وكفى …



