مقالات و رأي

العلاقة الخفية بين التغذية والسعادة

الأستاذ الدكتور فيصل عبدالقادر بغدادي
خلق الله عزوجل الإنسان وخلق له كل ما يوفر له أسباب العيش والشعور بالراحة والطمأنينة ومن هذه الأسباب الأطعمة والمواد الغذائية إذ لم تعد التغذية مجرّد أرقام تقاس بالسعرات الحرارية، ولا قوائم طويلة من المسموح والممنوع، بل أصبحت اليوم أحد أهم مفاتيح السعادة البشرية وصحة الإنسان بشقيها الجسدي والنفسي.

فالغذاء ليس طاقة فحسب بل رسالة يومية يرسلها الإنسان إلى جسده ليخبره إما أن يعيش في توازن وراحة أو يواجه الإرهاق والقلق والمرض..
ومن هذا المنطلق قامت الباحثات من جامعة أم القرى أ.د. معتوقة محمد الحساني من قسم الكتاب والسنة ، وأ.د ولاء بنت عصام الحساني من قسم التغذية الإكلينكية، وأ. آلاء بنت عصام الحساني من مركز الحياة الطيبة للإرشاد الأسري بإعداد دراسة علمية حملت عنوان: “العلاقة بين التغذية المتوازنة والرفاهية النفسية في ضوء القرآن الكريم – منظور علمي تأصيلي”.

وقد تناولت هذه الدراسة أبعاد العلاقة بين جودة التغذية وصحة الإنسان النفسية، مستندةً إلى رؤية قرآنية أصيلة ومقاربات علمية معاصرة، بما يعزّز الفهم المتكامل للغذاء كعامل مؤثر في توازن الفرد ورفاهيته، وتهدف الدراسة إلى تأثير العلاقة بين التغذية المتوازنة والرفاهية النفسية من منطور قرآني مع التركيز على تأثير بعض الأغذية التي ذكرت في القرآن الكريم على الصحة العقلية والتوازن النفسي والذي يؤدي إلى النعمة المذكورة في قوله تعالى( متاعاً لكم ولإنعامكم) الأية 32 :سورة عبس.
ويعتمد البحث على تحليل الآيات القرآنية المتعلقة بالغذاء والصحة النفسية ، إضافة إلى استعراض الدراسات العلمية التي أثبتت تأثير التغذية على وظائف الدماغ والاستقرار النفسي والعكس صحيح..
وخلصت الدراسة إلى نتائج قيمة تشير إلى أن القرآن الكريم يُوجّه الإنسان إلى تناول الأطعمة الطيبة والمتوازنة وفقاً لاحتياجاته الفسيولوجية والنفسية، ويُعنى بها كيفاً ومصدراً وشكلاً، حيث إن نوع الأطعمة ووقت أكلها وحالة الشخص عند تناولها تشكل برهاناً على أثر الغذاء في حالة الإنسان النفسية والجسدية.

ومن أبرز النصوص قوله تعالى في سورة الأنعام آية 141: “وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ… وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”.
ويُعرف التوازن الغذائي علمياً بالمقدار المرجعي للعناصر الغذائية (DRI)، وهي الكميات اليومية الموصى بها للحفاظ على الصحة ووظائف الجسم الحيوية تبعاً للعمر والجنس ومستوى النشاط البدني.

كما أثبتت الدراسات أن الصيام يعزز وظائف الدماغ ويساهم في توازن الناقلات العصبية مثل السيروتونين والدوبامين، مما يؤدي إلى تحسين الحالة المزاجية وتقليل القلق، كما في قوله تعالى: “وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” (البقرة 184).
ومن التوجيهات القرآنية الجامعة قوله تعالى: “كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا” (الأعراف 31)، وقوله تعالى: “وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ” (الحجر 19)، مما يشير إلى أن الغذاء والنفس والسلوك وحدة متكاملة في صناعة التوازن والحياة الطيبة.
وأكدت الدراسة أن مفاهيم علم النفس تقابلها مفاهيم شرعية في التوازن الإنساني، وأن التوجيهات القرآنية الغذائية عالمية وفعّالة، وأن كثيراً من المجتمعات الحديثة تعاني اضطرابات ناتجة عن غياب هذا التوازن.
وأوصت الدراسة بتثوير استراتيجيات غذائية لتعزيز الرفاهية النفسية في ضوء الهدي القرآني. هذا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيد الأولين والآخرين محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى