لغةُ الضاد… بهاءُ المعنى وسلطانُ البيان

الدكتورة : إيمان حماد الحماد
بنت النور : http://@bentalnoor2005
اللغةُ العربيةُ ليست حروفًا تُرصَف، ولا ألفاظًا تُنظَم، بل هي كيانٌ حيٌّ، إذا نطقتَ به رسمت تاريخًا، وإذا كتبتَه كتبتَ مجدًا، وإذا أنصتَّ إليه سمعتَ صهيلَ الفكرة في ميدان البلاغة. هي لغةٌ وُلِدت قوية، ونشأت فصيحة، وترعرعت بين البيان والبرهان، حتى غدت تاجَ اللغات، وميزانَ الدلالات.
في العربية سحرُ التشكيل، وجمالُ التأصيل؛ فالحرفُ فيها روح، والكلمةُ صورة، والجملةُ لوحةٌ ناطقة. تتهادى ألفاظها كما يتهادى النور في الصباح، وتشتدّ تراكيبها كما يشتدّ السيف في يد الفارس. إن شئتَ الإيجاز أوجزت، وإن أردتَ الإطناب أطربت، وإن قصدتَ العمق بلغت، وإن رغبتَ السهولة أطاعتك بلا ضعفٍ ولا ابتذال.
هي لغةُ القرآن، نزل بها الوحي فازدادت قداسة، وتحدّى بها البيان فازدادت مهابة. وسِعَت الفلسفة فلم تضق، واحتملت العلم فلم تعجز، واحتوت الشعر ففاض بها حتى أمتعت ، وحملت الحكمة ونطقت بها فأنضجت. ما طرقها معنى إلا وفتح له بابًا، ولا قصدها فكرٌ إلا ووجد فيها مأواه.
العربيةُ بحرٌ إذا غصتَ في لجّته ظفرتَ باللؤلؤ، وإن وقفتَ على شاطئه أبصرتَ الجمال. ألفاظها عذبة كالنهر، وجزلة كالصخر، لينةٌ حين تُلاطف، صلبةٌ حين تُخاصم. تجمع بين رهافة الإحساس وقوة التعبير، فتكون همسًا إذا لزم الهمس، وزئيرًا إذا استُنهضت العزائم.
ليست العربيةُ لغةَ ماضٍ يُستَذكر، بل لغةَ حاضرٍ يُعاش، ومستقبلٍ يُصاغ. من حفظها حفظ هويته، ومن صانها صان تاريخه، ومن أحسنها ملك ناصية البيان. فهي وعاءُ الفكر، ولسانُ الحضارة، وجسرُ التواصل بين العقل والروح.
فيا لغةَ الضاد، يا سيدةَ البيان، ستبقين ما بقي المعنى، وما دامت الكلمة تُقال لتُحيي لا لتُميت، ولتبني لا لتهدم. ستبقين شامخةً كالنخل، عذبةً كالماء، راسخةً كالحق، لأنكِ لستِ مجرد لغة… بل روحُ أمة، وذاكرةُ مجد، وسرُّ الخلود.



