مقالات و رأي

أفكارنا .. المصنع الخفي ؟

بقلم /هدى سيلان – معالجة نفسية

ترددت حديثًا في وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الحلقات والموضوعات التي تتناول قراءة المستقبل ومحاولة معرفة ما يخفيه الغد. ولنتوقف قليلًا عند قراءة متعمقة للموضوع.
ونقصد هنا قراءة الغيبيات التي قد تصل في بعض البرامج الإعلامية و التي تستضيف بعض السحرة والمشعوذين لسرد أحداث مستقبلية.

وسؤالي هنا هل أثر هذا النوع من البرامج على طريقة تفكيرنا وزاد لدينا الشغف الشديد بالتنبؤ بالمستقبل وهو المقصود به على مستوى حياة الفرد وماهوا رأي الدين والعلم في هذا الموضوع.؟….
ما هو موقف الدين الإسلامي؟
يُعدّ “التنبؤ بالمستقبل” أو ادعاء معرفة الغيب محرّمًا، وقد ورد في ذلك العديد من النصوص الشرعية التي تحرر الإنسان من هذا النمط الفكري. ومن كمال الدين الإسلامي أنه أوضح الوسائل التي يلجأ إليها بعضهم كالتمائم والسحر والكهانة، وبيّن حكمها وحرمتها، لأنها تقوم على ادعاء العلم بالغيب الذي استأثر الله به تعالى .
ومع ذلك، تبقى في النفس البشرية رغبة قوية في معرفة ما ينتظرها، ودافع داخلي نحو استكشاف المستقبل، وهذا جزء من تكوين الإنسان ومن خلال دوافعه الفطرية التي أودعها الله بالنفس البشرية .
ما هو موقف علم النفس؟
يأتي هنا دور علم النفس، بتعدد مدارسه واتجاهاته، ليساعد الإنسان على فهم هذا الدافع والتعامل مع مخاوفه المتعلقة بالمستقبل. ومن أعمق مدارس علم النفس من وجهة نظري المدرسة المعرفية، التي وضعت “التفكير” تحت المجهر، وشرحته تشريحا دقيقاً ووضحت كيف يتشكل السلوك الإنساني من خلال التفكير؟. ومن ما قدمته هذه المدرسة مفهوم “التشوهات المعرفية”.
فما المقصود بالتشوهات المعرفية؟
هي أخطاء شائعة في طريقة التفكير تجعل الإنسان يفسر المواقف بشكل مبالغ فيه أو غير دقيق أو غير واقعي، ويؤدي إلى مشاعر وسلوكيات خاطئة .
التشوهات المعرفية وكيف تُضلِّلنا أفكارنا؟
هي أنماط خفية من التفكير غير الدقيق، تجعل الإنسان يرى التهديد في غير موضعه، أو يتوقع الضرر قبل حدوثه، أو يعمم نتيجة واحدة على حياته بأكملها.
التنبؤ بالمستقبل تشوّه معرفي أم بحث عن الأمان؟
رغم أن الشريعة الإسلامية حرّمت ادعاء معرفة الغيب، إلا أن الإنسان بفطرته يبحث عن الطمأنينة، والمستقبل المجهول يمثل منطقة رمادية يكرهها العقل، فيبدأ بوضع تصوّرات مسبقة، غالبًا ما تكون سلبية.
ويظهر هذا التشوّه حين يبدأ العقل بتخيّل أحداث مستقبلية سلبية ويعاملها كأنها حقائق ثابتة، مثل:
“أنا متأكد أنني سأفشل.”
“لن يقبلوني في الوظيفة.”
“الأمور ستنتهي بشكل سيئ.”
“أعرف النتيجة قبل وقوعها.”
والسؤال الأهم هنا هو ماهي المبررات التي تجعلنا نتنبأ بالمستقبل سلبًا؟
هي متعددة وتتنوع حسب الظروف الاجتماعية والنفسية، كما انها ترتبط بالمراحل العمرية ففي مرحلة المراهقة يفتقر الانسان الى الخبرة الكافية للتفريق بين الاحتمال والواقع فيضخم الاحداث السلبية ويتوقع تكرارها أما في منتصف العمر ، فقد تغذي تراكمات الإخفاقات أو المسؤوليات الزائدة شعورا بأن المستقبل يحمل مزيداً من الأعباء. بينما في المراحل المتقدمة من العمر قد يظهر التنبؤ السلبي نتيجة الخوف من الفقد أو تراجع الشعور بالسيطرة على الأحداث.
التربية في بيئة ناقدة
الخوف من المجهول.
التجارب الماضية المؤلمة.
القلق واضطرابات الشخصية.
نقص الثقة بالنفس.
الأمراض العضوية مثل اضطرابات الغدة، الآلام المزمنة، نقص الفيتامينات، واضطرابات النوم.
الضغوط المجتمعية والإعلامية
الضغوط المادية كالأعباء المالية والمسؤوليات المادية
كيف يتحوّل التنبؤ السلبي إلى واقع؟
عندما يخشى الإنسان موقفًا ما ويتوقع الفشل، فإنه يتصرف بقلق وحذر، مما يؤدي إلى أداء ضعيف، فتقترب النتيجة من توقعه.
كيف نكسر هذا النمط؟ وماهي الحلول المقترحة لحل هذا التحدي ..
سأستطرق هنا بعض الطرق المساعدة في تجاوز هذالنوع من التشوهات المعرفية ..
التشكيك في الفكرة وتعديل الحديث الداخلي من السلبي الى إيجابي .
تحويل السؤال إلى بديل إيجابي.
رؤية بدائل متعددة.
التجربة العملية.
الاستشارات النفسية والمعالجة أن كان الامر أصبح يحتاج ذلك والانسان يفقد السيطرة على تفكيره

وكلمتي الأخيرة هنا …. هي دعوة لنا جميعاً
كما تعلّمنا الخوف من المستقبل، فلنتعلّم الطمأنينة ونجعلها خيارًا واعيًا نمارسه كل يوم.
فالإنسان لا يولد خائفًا، بل يكتسب الخوف عبر تجارب الحياة. وكما تشكّل الخوف يومًا، يمكننا بالتفكير الصحيح إعادة تشكيله، وأن نمنح أنفسنا مساحة من السكينة والثقة بأن ما لم يأتِ بعد هو بيد الله، وأننا قادرون على التعامل معه عندما يحين وقته. نتجاهل تماماً الرسائل السلبية والتي تستحضر المستقبل والاحداث المستقبلية من قراءات وتنبؤات تقلقنا وتجعلنا رهنها .
ليس المطلوب أن نعرف ما سيحدث… بل أن نثق بأننا سنكون بخير مهما حدث.

نحن نصنع خوفنا بأفكارنا… ونصنع طمأنينتنا أيضًا بأفكارنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى