سارقو المجد

بقلم/ عبدالله بن حمدان الفارسي

 سلطنة عمان
ظاهرة ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، ومن لديه ذاكرة ذهنية سريعة الاستحضار سوف يستدرك ما أعنيه في سردي هذا لاحقاً.
كثيراً ما سمعنا أو وقفنا كشاهدي عصر على أحداث جعلت منا أن نكون أكثر حرصا ووعيا، وأن نتخذ سبيل التريث والتأني مسلكا علينا اتباع منهجيته، الأمر الذي يتوجب معه شدة الحرص وعدم الإفصاح بما لديك فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان… ” رواه الطبراني، علما أن في بعض الأحيان يتولد فينا شعور الرغبة الملحة بمشاركة الفرح الذي لا تكمن لذته واكتمال ذروته إلا مع الآخرين لا سيما المقربون منا حين نستشرق معالم وبوادر سعادتهم من أجلنا، وللأسباب التي سأذكرها يجد الواحد منا صعوبة في طرح فكرته وعرض عمله، وكذلك لا يجرؤ على بسط خلاصة فكره بكل أريحية، وما يستجد فيها على الطرف الآخر إلا من رحم ربي.
فالظاهرة التي سأتحدث عنها ظاهرة سارقي المجد ومقتحمي منابر النجاح ومصادرة الفكر من لب المصدر، التي أخذت تتصاعد، وليس هناك أسوأ من سلب العقول أفكارها وتهميشها، ونَسب ما تمخض عنها إليك بكل سهولة، ودحر مصدر تلك الأفكار وإلقائه في أتون النسيان، وما يتأتى ذلك إلا بالثقة المفرطة اللامحدودة، بحيث تُعرض الفكرة أو العمل قبل إشهارها على من نظن أنهم من ذوي الرأي السديد والخبرة للاستشارة فقط، أو من زميل يملك تخصصا مهنيا مشتركا، أو من ذوي المقامات عالية الشأن والرفعة، أو من ذوي المال والسلطة ممن يستغلون العوز والحاجة لدى المصدر بشراء الجهد والذمم، ودفن ما سال من عرق تحت مرادم الظلم.
إن سرقة الفكر عملٌ مشين وجرم تعاقب عليه القوانين السماوية والوضعية معا، ولكن هناك من لديه الأساليب والنفوذ السلطوي للتملص من عقوبة السلب والنهب الفكري، وإن كانت العقوبة الإلهية ستنال منه عاجلا أم آجلا.
إن من الذل والعار أيها المتسلق على سلالم غيرك أن تنسب كفاح وجهد غيرك إليك، سواء بالتراضي المجبر تحت وطأة الحاجة أو بالإكراه ، إن عملا كهذا كالذي يختطف رضيعا من أحضان أمه ويدَّعي أبوته ونسبه إليه.

إن عملا كهذا تعتبر أدوات التسلق عليه هشة لا تقاوم عوامل الزمن على الأمد الطويل، وسرعان ما تتآكل وتتعرى هيئته، لتنذر بتساقط وتهالك أركان ذلك النجاح المنسوب بغير وجه حق، إن سرقة الجهود ليس بالعمل الذي يرضي طموح الأشراف ويحقق غايتهم، إن النجاح إذا لم يكن مصدره فكرك وثمرة جهدك فمن المخجل التباهي به والتشدق بإنجازه.

إنها ظاهرة أقل ما نقول عنها سلبية، إنها مدمرة تقتل أصحاب الكفاءات والمهارات وهم على قيد الحياة، وتحيي أشباه البشر وتخلدهم تخليدا زائفا وهم في الحقيقة أموات، وإن كان الموت هنا ليس بمعناه الحرفي، إنما موت ضمائر وانعدام أخلاق وانحسار ذمم، إن من مبادئ نجاح العمل هو الأخلاق والإخلاص في إنجازه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” الألباني، أيضا كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت… فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
إذاً من المؤسف والمؤلم جداً أن نصفق ونهتف لمن هم لا تتجاوز قامتهم علو حبة التراب،
لذا يتوجب على كلِ فكرٍ واعٍ وقلم حر أن يساهم في إبادة هذه الآفة التي تفشت في المجتمعات كل حسب مقدرته وإمكانياته.

عن شعبان توكل

شاهد أيضاً

رجل البرّ

  بقلم/ مشاري محمد بن دليلة* منذ  ما يقارب سنة هجرية أكرمني الله بمعرفة رجل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.