عِطر

محمد الرياني

باتَ في منامٍ هانئ ، في الصباحِ لبسَ حذاءه الجديدَ بالمقاس الذي يناسبه من السوقِ القديم ، صاحبُ المحلِّ خفيفُ الظلِّ يكثرُ المزاحَ معه وأسعارُه تبدو جيدةً بالمقارنةِ إلى المحلاتِ الفخمة، وساعتُه التي يرتديها هي أخفُّ ساعةٍ في العالمِ كما وصفَها البائعُ قصيرُ القامةِ ضعيفُ البنية، قال له أنتَ تشبهني تمامًا وهذه الساعةُ تناسبُ معصمَك قليلَ اللحمِ مثلي، ابتاعَها منه وتفضلَ بوضعِ ثقبٍ إضافيٍّ بآلةٍ بدائيةٍ عنده لتثبتَ على يديه ، لم يكن بحاجةٍ إلى تنعيمِ بشرةِ وجهه، يعجبُه سوادُ الشعرِ الذي يلتفُّ حولَ ذقنه وخدَّيْه بشكلٍ انسيابيٍّ جميل، غُترتُه البيضاءُ من عند العمِّ صالح، هو الذي يجلبُ الماركةَ المشهورةَ ولا يثقُ بغيره، يجربُها عنده ليس للتأكدِ من جودتِها بل ليسمعَ حكاياتِه التي لا تمل، أما عطرُه المفضلُ فهو عطرٌ أهدتْه له رفيقةُ دربه بعدِ عقدِ قرانهما ، قالت له: إنه العطرُ المفضلُ لأبيها، بالنسبةِ له فهو يحبُّ عمه حبًّا كثيرًا وبقيَ وفيًّا للعطرِ الأزرقِ حتى بعدَ وفاة عمِّه ، وكلما التقى رفيقةَ دربِه وشمَّتْ العطرَ يتضوعُ بين جانبيْه بكتْ على أبيها ودمعتْ عيناه على الأيامِ التي جمعتْه بها في حياته، في هذا اليوم أعادَ الماضي، الحذاءَ والعطرَ والغترةَ البيضاءَ ، قالتْ له وهي تستروحُ رائحةَ أبيها في جسدِه، إني أجدُ فيكَ ريحَ أبي ورمتْ نفسَها في أحضانه، لم يبعدها وبقيَ يَغرقُ في دموعِها حتى ترتاحَ نفسُها، عندما بللتْ صدرَه بحرارةِ ذكراها نزعَ ثوبَه ليحتفظَ بعطرِ بكائها، وعدَها بأن يبقى بكاؤها فرَحًا، وسيشتري لها المزيدَ من العطرِ الأزرق، نظرتْ إلى أحضانِه باهتمام ، قال لها سيبقى عطرُ أحضاني فوَّاحًا لترتمي فيه أكثر.

عن شعبان توكل

شاهد أيضاً

أعين تراقب خطواتنا

المدينة المنورة – سمير الفرشوطي في عصرنا هذا، حيث تبدو الخصوصية شبه مفقودة، يبرز تساؤل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.