دراسة نقدية تحليلية في ديوان الدكتور علي بن مفرح الشعواني .

للأديب الناقد/ نبيل منصور نورالدين

تغيم الأحاسيس المختلفة والمشاعر المتباينة على الذات وتنهمر مدركات الشعور على المخيلة الادراكية للنفس البشرية وما بين الإحساس بالنمو الروحي والإدراكي للعاطفة وبين الذات مسافة واسعة لتجلي المدركات التي تصطحب الشعور معها وتأخذ من مدلولات الأحاسيس مدا واسعا من المد التخيلي.

في ذات اللحظة يكون المدلول التصويري للشجن الكامن في الأعماق قد تواكب مع الذات الإنسانية وشاجى النفس بتمعن تام يلزم التصوير الذاتي للمدركات المستأنسة في المخيلة والوجدان.
وإذا كان التماهي بالشعور مع الروح يستغرق الأحاسيس الوجدانية للذات البشرية فإن التهيئة الإدراكية للمد العاطفي تلزم الروح بمخيلة شعورية خالصة تتمكن معها المبهمات من الإدراكات من الولوج إلى عتمة المغيب من الاشجان والاحاسيس التي تسطرها الافئدة وتستجليها الرؤى في حفيظة النفس البشرية.
ما يدعوني لهذا القول وأنا اقرأ ديوان (على ضفاف السحاب) للشاعر الدكتور على بن مفرح الشعواني هو ما صادفته من عمق شعوري مكتنز في وجدان الشاعر يستلهم المغيبات الخفية من الاحاسيس ويراوح بين مد الروح وحفيظة النفس الإنسانية ويجعل من المدركات التشبيهية مثولا على عتبات الذات المنسجمة مع وقع الشعور اذ يحاكي بمفرداته طبيعة الذات ويستلهم الغائم من المشاعر ويذوبها بذاتية وتلقائية متزامنة مع الشعور.

والشاعر الدكتور على بن مفرح الشعواني ممن امتازت لغتهم بثنائية التباين بين الشعور المبهم والعاطفة الفياضة والادراك البليغ بمجاز الوعي ،وتمتاز أشعاره بالحضور المكثف للروح وبالتماثل الذاتي للأحاسيس المسترسلة والعواطف المنبثقة من النفس يحمل مدلولات شتى عن الذات والعاطفة والروح وعن المغيب والمبهمات من الشعور والأحاسيس المرهفة التي تقيم مع الوجد مقام المعاني التي لا حصر لها في المخيلة الإنسانية الواسعة .

إذ تتجاذب العاطفة في أشعاره مدلولات الروح بسليقة لغوية تلقائية ونفاذ في البصيرة إلى عمق المدركات المبهمة وبتوسيع حاد في الرؤية الوجدانية التي تتسرب من مدلولات التصور الروحي للذات والعاطفة معا .

فالشاعر يقيم مع الفيض الشعوري أحاسيسا ثنائية تستغرق الأبعاد الذاتية للعاطفة وتومئ في كثير من الأحيان إلى مقابلة روحية تتماهى مع الوجدان الحاضر بالشعور .

إذ يكثف مدلولات الإيماءات الشعورية بين النفس والعاطفة ويجدد المبهم في عمق الإدراك إذ تتسرب من المخيلة صور لا حصر لها تتناهى الى المدرك اليقيني للتمثيل فقصائده كلها موحية بالإشارات الروحية تندغم مع الذات.

وفي كثير من الأحيان تتماهى المخيلة مع الشعور وتتواكب المدارك في الذات مع النفس ، فهو يصور المدلولات الإيمائية بالشعور المحض ويجاوز حد الولوج إلى العاطفة بيقين التمثيل ، ففي قصائده نجد الروح تباشر المعنى لا سيما قصيدة (روح مبعثرة) التي يلج إليها من معنى تخيلي يكافئ المبهمات من الأحاسيس يستغرق خلالها بالمعنى الإدراكي التصوري للمبهم من الألفة الذاتية التي تسيطر على عتبات الشعور ، ويستوحي مدركات لا حصر لها من المشاعر التي تجتاز ألفة التمعن في اللاوعي ، بينما تتجاذب المبهمات من التصورات المد الإحساسي والتمثيل الروحي للشعور ففي قوله:
من يوم
مالت حروف الآه واشتعلت
كل المساءات تجريحا بجنبيا
أيقنت

أن حنان العمر ودعني
وانني الآن قد أصبحت مطويا
أشدو
وعيناي تمتص السراب فما
أذوق منه ولا بللت كفيا
إذ يناغم الشاعر بين المبهم من الروح والمعتم من الشعور ويمازج بين ما هو مدرك وبين غائمات الاحاسيس ، اذ يكيف المدرك التصوري ويوائم بين مدلولاته فيستقيم المعنى على أنه طيف مشافه للذات بحيث تسربت إلى الانساق المختلفة في القصيدة ثنائية التشبيه المرئي بين مدلول الروح وبين الإيماءات الدلالية للفيض الشعوري فالاستئناس الحقيقي يتوائم مع الذات والتصوير المكافئ للشعور ينسجم بمدلولاته التي تحيل الغائمات من الأماني إلى عاطفة فياضة تتهجى النفس البشرية وتناغم الأحاسيس المركبة في الروح.

بينما في قصيدة (من أنت) يكتنز البوح مسارات التخيل وتتلاشى حفيظة المدرك التخيلي مع وقع الروح اذ تهيمن المغيبات (السراب) على الوعي التلقائي للذات فتتناهى العاطفة المبهمة مع مد الاحاسيس الذاتية المركبة في النفس وتغيم مدلولات التباريح الذاتية على مبهم التصورات بالكيفية التي باشرت الوعي المحصور بين يقين التصور والروح المختزلة آفاقا واسعة من الادراكات الايمائية التي تصور النفس البشرية على انها متسربة الوعي بالشعور وعلى هذا تركبت ثنائية التقدير العاطفي بين الذات والروح فهو يقول:
من أنت
يا بيت السراب
هل أنت الا من تراب
نفق المآسي والغياب
يا قصة الحلم الرمادي السرمدي
يا أيها الليل الكئيب
بين الرفاة
ولا حياة
وليس يجديني الممات
فالإيغال بالمدرك الشعوري استحوذ على مجمل التعبير الذاتي وهيمن على مدركات النفس البشرية ،ينما التوغل في الحقائق مدرك عاطفي مسترسل في الوجدان وعلى هذا يبارح الشعور مده بالمدلولات الوجدانية التي تسربت من حيث هي قائمة بذاتها تجلي عتمة الروح وتتهجى المغيب من الشعور ، بينما تقابل الصور المدركة في القصيدة ما خفي من الإشعارات الذاتية للإدراكات الخفية التي تجعل من الوعي مفازة بعيدة بالإحساس ، وهنا قمة التمثيل الميتافيزيقي للكينونة المعبرة عن الأحاسيس الموغلة في عمق المغيب من الإدراك والشعور.

أما في قصيدة (الحب مات) يستعيض الشاعر بالتباين الشعوري بين ما هو كائن للإدراكات التمثيلية لخلود الروح وما يكون من الشعور المسترسل في المخيلة إذ تتدارك الأحاسيس اليقينية مدركات لا حصر لها وتتباين الإشعارات الروحية بين ما كان وما يكون .

من هنا قام الوعي التمثيلي في القصيدة مقام الذات التي تناغم الشعور ، إذ وافق الشاعر بين المخيلة والنفس ومازج بين مدركات الحضور التمثيلي للمخيلة ، وبين الذات الحساسة المرهفة فاستقام التعبير المكافئ للذات ، وتمثلت الإدراكات الشعورية في المخيلة فتكافأت المدلولات الترميزية في الوعي كما هو قوله:
قولي بربك
من أنا
هل كنت عشقا في سماك
هل كنت حلما في هواك
هل كنت
بل لم أكن
وكت أنت سعادتي
وإذا أرقت وسادتي
فالشاعر عمد إلى استدراك المخيلة بما هو كائن في الآن وغيم على الشعور الذاتي بحضور يكتنفه الإحساس بالمثول الذاتي للمغيب من الشعور ، وهنا مقامة كبيرة للتمثيل الروحي المنسجم ووقع التصور اليقيني للمدرك العاطفي إذ تتهجى الرؤى الماثلة بين ما هو كائن مقدر بالأحاسيس وما يكون من الذات والروح في مسار الأحاسيس والشعور ، فالمعاني المسترسلة في القصيدة تحاكي الفيض التخيلي الغائب عن الوجدان ،كما ان التمثيل الضمني للروح والذات مهيأ لمثول الشعور المستحضر في المخيلة وعلى ذلك توائمت الأحاسيس المختلفة في الذات مع مدلول اليقين المبطن بالإدراك.
أما في قصيدة (مشتت الفكر) فقد تباينت المدلولات الروحية بشفافية تامة واستحضر المغيب من الاحاسيس المرهفة في مضمار الوعي فتناغمت بشجى متناه المدلولات الروحية مقيمة مع الوجد مسافة لبلوغ الحد الأقصى من التصور الروحي المكافئ للذات في حدها الشعوري إذ تهيأت الادراكات المخفية واسترسل الشعور مقابل الذات فقامت العاطفة بينهما مقام الوجدان المذوب في الذات بحيث استمد الشاعر من المدركات التمثيلية بيانه الروحي والعاطفي متمعنا في خلود العاطفة التي بين الذات والروح إذ تجاذب النص اليقين المهيأ للإدراك فتناغمت المشاعر المسترسلة بين الذات والروح إذ يقول الشاعر في ابيات من القصيدة:
وكان لي سكب
أودى اليباب به
وأغيد كقضيب البان متقد
لا تتركيني غداة
البين في صببي
غيم بلا بلل والأرض في كسد
وهنا بلاغة تشبيهية عن الضمني من المدركات تستوعب المد الشعوري والعاطفي الذي ينسل من الروح الى المدرك اليقيني لحفيظة النفس الإنسانية بينما التماثل المهيأ للإدراك الضمني مسترسل في المخيلة وهذه فرادة شعورية خالصة يمتاز بها الشاعر الدكتور على بن مفرح الشعواني في هذه القصيدة وغيرها من قصائد هذا الديوان وللشاعر مقامات كبيرة تتمثل الروح والاحاسيس المرهفة المذوبة في نصوص الديوان كله.

عن شعبان توكل

شاهد أيضاً

درر الشعر “عزيز النفس”

الشاعر/ سعد بن زمانان لوحة شعرية تميزت بروعة التصوير وقوة التعبير رسمها شعرا وجسدها مشاعرا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.