“الإدارة.. علم وفن وذوق وأخلاق”

‏المستشار / هاني زكي الفل

في كثير من الأحيان، تتشابه قيادة السيارات مع فن الإدارة؛ فكما أن السائق الماهر لا يكتفي بالتحكم في المقود، بل يتنبّه للطريق، ويتوقّع أخطاء الآخرين، ويحترم القواعد، كذلك المدير الناجح لا يقتصر دوره على إصدار الأوامر، بل يتحلى بالبصيرة، ويقرأ تفاصيل المشهد، ويقود فريقه بحكمة وهدوء نحو الأهداف.
كلاهما يحتاج إلى علم يُفهم، وفن يُتقن، وذوق يُظهر، وأخلاق تُحتذى.

لم تعد الإدارة مجرد مهارة فنية أو منصب يُمارس من خلف مكتب، بل أصبحت علمًا يُدرس، وفنًّا يُمارس، وذوقًا يُشعر، وأخلاقًا تُلهم.
فالمدير الناجح لا يُقاس بصرامة قراراته فقط، بل بقدرته على احتواء الآخرين، وتحفيزهم، وبناء بيئة عمل متزنة تنبض بالإبداع والثقة.

الإدارة كعلم تعني امتلاك المعرفة النظرية والمنهجية في التخطيط والتنظيم والرقابة واتخاذ القرار،
وكفنّ تتجلّى في مهارة القائد في التعامل مع المواقف المختلفة بحكمة ومرونة.
وهي القدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وقراءة المشهد بدقة، وتحويل الأزمات إلى فرص، والتحديات إلى إنجازات.
المدير الفَنّان لا يعتمد على القوالب الجامدة، بل يبتكر في الأسلوب، ويطوّر في الوسائل.

وعن الذوق في الإدارة يعني حسن التعامل، واحترام الفروقات، وفهم مشاعر الموظفين قبل تقييم إنتاجيتهم.
هو ذلك الحس الإنساني الذي يجعل الموظف يشعر بأن مكان عمله بيته الثاني، وأن مديره ليس سلطة فقط، بل إنسان يُقدّر ويُساند.
الإدارة بالذوق تُشعر الجميع بقيمتهم، وتخلق بيئة عمل مريحة تُشجّع على الإنتاج والعطاء.

وأما الأخلاق هي البوصلة التي تُوجّه سلوك المدير، وتقوده نحو العدالة، والشفافية، والاحترام.
المدير الذي يتحلّى بالأخلاق يغرسها في فريقه، ويصنع ثقافة عمل قائمة على النزاهة والثقة.
فالمهارات الإدارية مهما بلغت من الكفاءة، فإن غياب الأخلاق يُحوّل الإدارة إلى سلطة جافة، لا تُلهم ولا تُثمر.

وفي النهاية اقول أن الإدارة الناجحة ليست وظيفة تُمارَس، بل رسالة تُحمَل.
هي مزيج متوازن من علم مكتسب وحسّ فني، وذوق راقي، والقيم الأخلاقية.
وكل من أراد أن يكون قائدًا حقيقيًا، فعليه أن يُتقن هذا الرباعي الذهبي، لأن أعظم الأثر لا يُصنع بالأوامر، بل بالإلهام، ولا يُحفظ في الذاكرة بالأرقام، بل بالمواقف.