على باب مكتبة.. حُفَّ الشغف بثمنْ

روافد ـ أروى الزبير
لطالما كانت القراءة ملاذي الأجمل ، و وسيلة الترفيه الأقرب إلى فؤادي.. فهي متعتي الخفية ، و صديقتي في عز الضجيج . و إن صادفتها بفنجان قهوة ، اكتمل المشهد .
كثيرًا ما يُسأل: هل القراءة تحتاج إلى قهوة؟
جوابي: لا . فكلتاهما لذتان مستقلتان ، و إن اجتمعتا ، فذلك مجرد حُسن طالع لا أكثر
” برأيي ، هما متعتان منفصلتان ، و كل شخص يمارسهما بطريقته و طقوسه الخاصة ” .
بإعتقادي النفسي أن ربط المتع الصغيرة مع بعضها البعض يصنع منها متعة أعظم مصحوبة بِلَذة .
و بإعتقادي الشخصي أن ارتباطهما سويًا يُعتبر طقس مقدس في خلوتي الذاتية..
فـ الجو الهادئ ، البارد و اختلاط رائحة القهوة العطرية تفجر نوافذ الحواس ، ممزوجة برائحة الكتاب الذي يمثل رائحة خشب جاف نمى على أطراف غابة استوائية في جزيرة نائية ، ينم عن صدق الريف و نبالة الزمن ، مُختلِط برائحة الحبر الذي يشير الى ولادة فكر و عمر مُستَدام مُرفق بالذكريات الدافئة تمتزج هذه الروائح مكونة سحابة في المكان و عبق يخترق الوجدان و يستوطن الذاكرة و ذلك عندما تداعب اصابعي و تقلب صفحات الكتاب فيصبح الهواء المحيط مكتبة من المشاعر ، و فنجانًا من الذكريات ، و خلوة تُسطَّر بالحواس قبل الكلمات ، أثَر “عِشتَه لم استنشقَه” كيف له أن يُمحى و ألا يُختزل في الذاكرة و ألا يُرتبط اثَره بالقراءة .
غُصت في متعة الخيال اللحظي و أخشى أني قد انصرفت عن الفكرة الأساسية.. ما جعلني افتح كمبيوتري المحمول و أضرب على لوحة المفاتيح بحنق هو ما حدث لي اليوم عندما ذهبت الى أحد المكاتب لأبتاع مُتعتي كي أُرضي فؤادي المُتعبِ .
أي لأبتاع كتاب فكما هتفتُ سابقًا؛ القراءة لطالما كانت ملاذي و متعتي ، دلفتُ الى المكتبة وجدت الكثير من الكُتب التي رآقت لي.. فخرج مني هِتاف فرح بَدَّد صمت المكان ، فضممتُ بعض الكتب إلى حضني وددتُ أخذها جميعُها الا أن التكلفة المهولة استوقفني!! ماذا؟ كم؟ كيف؟ متى؟ امتلأ رأسي تساؤلات تارةً أحدثُ ذاتي و تارةً اتفحص الأوراق لأتأكد هل كُتبت بماء الذهب كما كان يُستخدم في المخطوطات الملكية!
الحبر ليسَ بتلك الجودة ورائحة اللجنين تفوح من الكتاب و الورق لا يختلف كثيرًا عن ورق منازل الراحة! اذًا لماذا تكلفة الكتاب مرتفع؟
هل عندما أقرأ الكتاب ستخرج الشخصيات متجسدة أمامي على شكل ” 3D ” توضح لي أهداف الكتاب وتجاوب على استفساراتي؟
أو هل عند فتحي للكتاب تبدأ القراءة بصوت الكاتب وعند الختام يقوم بتسليمي تقرير استطلاعِ لمعرفة ارائي؟
أو هل استطيع فرك غلاف الكتاب ليخرج لي شبح ويليام شكسبير فيحقق لي 3 أماني؟
صدقًا أريد من كاتب أن يقنعني ما الذي سيدفع القارئ لشراء كتاب تكلفته بتكلفة كيلو لحم غنمي “حَرّي”؟
مالذي سيدفعه لإختيار كتاب عن اختيار طبخ ” مفطح ” وأكله؟
منطقيًا ما فائدة الكتاب التي تفوق فائدته عن فائدة اللحم حتى يتساوون بالتكلفة…. هذا أول سؤال سيطرأ ذهنيًا على أغلب القُراء خاصةً إذا كانوا مبتدئين في مجال القراءة .
فاللحم كما نعرف جميعًا فوائده أعم و أشمل فهو غني بالبروتين ، مصدر ممتاز للحديد ، يحتوي على فيتامينات B2 , B3 , B12 يحتوي على الفسفور و الزنك ، ينتج الهرمونات و الانزيمات و ايضًا لا ننسى الدهون المفيدة الغير مشبعة الأحادية ، احماض أوميقا 3 الدهنية ، الدهون الفسفوليبيدية .
أخيرًا مالذي سيدفع القارئ لشراء كتاب بمبلغ و قدره في حين يستطيع تحميله من شبكة الانترنت PDF مجانًا؟
عندما أقدمت على عمل استطلاع لمعرفة معدل القُرآء البالغين العرب في السنة؟ اتضح لي أن معدل قراءة البالغين العرب هو حوالي 16 كتابًا و 35 ساعة سنويًا ، و القراءة الإلكترونية تجاوزت الورقية ، و معدل القراءة أغلبه قادم من تقييمات قراءة كتب المدارس و العمل نادرًا ما تُقرأ الكتب كهواية ، و تعود لعدة اسباب من ضمنها و أهم سبب ارتفاع تكلفة الكتب الورقية ، إذا نستخلص أن نسبة القراءة منخفضة جدًا مقارنةً بالمعدل العالمي و مقارنة بمعدل النشر إذ أن الكتب المنشورة من عام 2019 – 2024 تُقدر ما بين 65,000 الى 75,000 كتاب ، من المُضحك أن الكُتَّاب أكثر من القُرّاء .
أشعر بالحزن و خيبة الأمل لأنني أُحب القراءة و لكني صدقًا لا أمتلك حتى حق نصف تكلفة الكتاب ، كنت أبحث بين الكتب علِّي أجد كتابً منخفض القيمة و لكني لم أجد و ما أغضبني بحق و جعل الدم يغلي في عروقي هو أن أختي الصغرى التي لا تحب القراءة أبدًا اعجبها أحد كتب الطبخ ووددت لو تقتنيه رأيتها فرصة أن تبدأ بالقراءة وتستمتع كما أستمتع ولكني لا أملك المال الكافي لشرائه لها .
نعم ، أستطيع تحميل الكتاب من شبكة الانترنت و لكن بعض الكتب وخاصةً الجديدة غير متواجدة و إن وجدت لستُ من مُحبي أو مؤيدي القراءة عن طريق الهاتف ولا من مدمني حمله بشكل مستمر أو التعرض الزائد لأشعة الهاتف ، يكفي الضرر القادم من أشعة التلفاز والكمبيوتر المحمول ، ثم أين المتعة في ذلك؟
لو لم أشّتَم رائحة الكتاب في بداية اقتنائه.. فعليًا لا أشعر بالمتعة ابدًا ثم أن استنشاق ورق الكتاب طريقة تحية مني له و كبداية تعارف و اعلان رحلة الصداقة الصامتة بيننا .
أحترم جميع القُرَّاء و أكن لهم كل التقدير و الإمتنان و لولا اهتمامي بعوالمهم المفروشة على الورق و تجوالي فيها بلا خارطة و نبضهم الذي يخُطّوه بين السطور و كأننا نقرأ دقات أفئدتهم لا أحرُفهم لما أصبحتُ حانقة منهم.. مُعاتبة لهم ، لذلك ليتنا نتريث ونأخذ نفس عميق و نفكر بطرق زيادة الإستهلاك عن التفكير فقط في الإنتاج .
اتمنى عودة نظام الإعارة في جميع المكاتب لإتاحة الفرصة لروادها بإستعارة الكتب أو المواد المعرفية لفترة زمنية محددة ، مجانًا أو وفق شروط بسيطة ، لنتمكن من قراءتها خارج المكتبة .
و أن لا يتم التفكير فقط بالنُخبة وأن يؤخذ القارئ بعين الإعتبار من شتى الزوايا واختلافها ، لا سيما في بُعده الطبقي ولا ننسى التنوع الثقافي ؛ فثمة من يقرأ بعينٍ مثقفة، وآخر يقرأ بقلبٍ مُثقَل بالحياة .



