أصداء من الذكريات

الكاتبة. نوال بنت عمر العمودي
تلك كانت أيامًا رائعة، مليئة بالضحك والذكريات الجميلة. كانت ساحة السوق قلب الحياة اليومية، حيث كان جدي الشيخ الكبير يدير تجارته بحكمة وفطنة. المصبغة كانت تعج بالألوان، وكان لها رائحة مميزة تعبق في الأجواء، حيث تصبغ مناديل الرأس بألوان زاهية. وكانت خالتنا قماح، بائعة البطاطس، تُشعل البهجة في قلوب الجميع من خلال ضحكاتها العالية وضيافتها.
نتجول في أزقة حارة الساحل، نلتقط كل لحظة بعفوية. كنا نلعب ونركض مع أولاد الحارة الأشقياء، ونتسابق نحو شاطئ البحر. كانت الأمواج تلامس أقدامنا، وطيور النورس تحلق فوق رؤوسنا، تضفي على كل شيء سحرًا خاصًا.
منزلنا، المكون من خمس طوابق، كان يطل على البحر. كنا نحب الجلوس على الشرفات، نستمتع بالمناظر الجميلة ونراقب الحياة تتدفق أمامنا. وعندما يأتي بائع مجلة ماجد، كانت قلوبنا تخفق بشغف. كنا نتسابق للحصول على المجلة، نتحدى بعضنا البعض في البحث عن القصص المثيرة والشخصيات المفضلة.
تلك الأيام كانت مليئة بالألفة والمحبة، وذكرياتها ستظل محفورة في قلوبنا إلى الأبد.
وفي إحدى زوايا الحارة القديمة، كان هناك دكان صغير يملكه بائع الهريسة. كان هذا الدكان يتمتع بشهرة كبيرة بين سكان الحارة، حيث كان يقدم أشهى أنواع الهريسة المصنوعة من اللحم وحبوب القمح، وكانت رائحته الزكية تجذب الجميع.
أنا وأختي كنا نذهب إلى هذا الدكان كلما سنحت لنا الفرصة، ننتظر بفارغ الصبر أن يشتري أبي لنا الهريسة. كنا نحب أن نضع عليها العسل، مما يجعل طعمها لذيذًا أكثر. كان بائع الهريسة دائمًا يبتسم لنا ويخبرنا قصصًا عن الحارة وألعاب الطفولة.
بعد تناول الهريسة، كنا نجتمع مع فتيات الحارة، نلعب لعبة “الكندي” و”الكمية”. كنا نتنافس في اللعب ونرفع أصواتنا بالأغاني الطفولية التي كنا نحبها، أغاني جميلة تملأ الأجواء بالفرح والسرور. كانت تلك اللحظات مليئة بالبراءة والسعادة، حيث كنا ننسى هموم العالم ونغمر في عالم من المرح واللعب.
تلك الأيام تبقى في ذاكرتنا كنزًا من الذكريات الجميلة، تذكرنا بأهمية الأوقات التي قضيناها مع الأهل والأصدقاء وكيف كانت تلك اللحظات البسيطة مليئة بالسعادة والفرح.



