مقالات و رأي

صحوة الوعي (حملة إلغاء متابعة المشاهير)

أروى الزبير

منذُ أيام أُطلقت حملة إلغاء متابعة المشاهير وأخذت تتصدر العناوين وتزلزل منصات التواصل الإجتماعي

برأيي أنها من أفضل وأقوى الحملات في العالم العربي لو كل منزل وكل فرد شارك في هذه الحملة سيُنهي مهزلة عقود من الزمن، نحن هنا لا نتحدث عن المشاهير المؤثرين بشكل إيجابي وهادف ، بالعكس هذه الفئة هي التي تحتاج مِّنا دعمها والوقوف بجانبها، بل نتحدث عن الفئة الهابطة السيئة التي تزرع القيم السطحية والأفكار المُضللة في أطفالنا ونسائنا ورجالنا، حتى بثوا فينا بطرق غير مباشرة أفكارهم السامة..

في الأطفال مثلا:
زرعوا حُب المظاهر المبالغ فيه، أصبح الطفل يقيس قيمته بعدد متابعينه أو بامتلاك مثل الأشياء الثمينة التي يمتلكها المشاهير، يتأثر بمثل الألفاظ التي يتلفظ بها المشاهير كالشتم، الاستهزاء أو التنمُّر وحتى الجمل التي لا معنى لها فقط لمواكبة ترند أحد المشاهير بدأه فتأثر الطفل منه، كثير من الأطفال أصبحوا يتمنون أن يصبحوا مشهورين عوضّا عن أن يتمنون أن يكونوا أطباء أو مدرسين وغيرها من المِهن التي ستفيدهم وتفيد المجتمع، هناك تشتت وضعف تركيز واضح في الطفل وهذا شيء أصبح بديهي، من ذا الطفل الذي سيهوى الدراسة والمُطالعة الطويلة مقارنة برؤية محتوى متقطع وسريع في برامج التواصل الاجتماعي!؟
أيضّا يسعون لهدم القيم الأساسية التي في طور تجذُرها بتلميع صور أمور محرمة وغير لائقة والطفل بلا وعي سيتشرب هذه الأفكار كأنها مُسلمات وأمور عادية، يضعفون ثقة الأطفال بذواتهم من خلال مقارنة أنفسهم بالمشاهير في الشكل والحياة الفاخرة فيشعر الطفل بالنقص.

 تأثيرهم في النساء 
تأثير قوي بضعف الرضا والراحة الذاتية بسبب المقارنات بين حياتهم وحياة المشاهير وشكلهم الخارجي، هوس الجمال والتجميل بالعمليات والتصوير متناسين الجوهر والقيم، التأثير بالاعلانات والماركات فأصبح الصرف ببذخ على التقليد الأعمى دون الاستثمار بالذات، تضليل دور المرأة الحقيقي ونشر صورة “المرأة الجريئة المستهترة” وكأنها النموذج المثالي، فيختفي التوازن بين الحياة والقوة، ايضّا تصوير المشاهير لحياتهم الخاصة كنموذج للمثالية ووضع النساء بضغط نفسي واجتماعي.. فاستشعارهم بالنقص وعدم الرضا عن حياتهم حتى لو كانت جميلة، الأغلب من النساء مع الأسف أصبح تركيزهن على المظاهر في اختيار شريكها أو في إظهار حياتهن على الملأ على أن تسخر تركيزها على بناء علاقة حقيقية يملأوها الصدق والعاطفة، نشر وعي خاطئ للمرأة عن التبرج والسفور والاستقلالية بدون ضوابط أو شروط رادعة.

 تأثيرهم على الرجال:
لا يختلف كثيرّا عن تأثيره في الأطفال والنساء بالإضافة الى نشر صورة الرجل “المتحرر بلا قيود ولا رادع” فوقع بعض الرجال في فخ الانفلات من المبادئ بالاعتقاد المزروع أن الرجولة تُقاس بالجُرأة على كسر العادات والتقاليد لا بالثبات على القيم، زرع فكرة أن المرأة المثالية أو الصالحة للزواج تكون بشكل جسماني وهيئة مُعينة فأصبح الرجل شغله الشاغل القوام الممشوق.. واضِح القسَمات كثير الإنحناءات كالمشهورة المعروفة ذات الشفاه المنفوخة، لماذا؟ لأنه تم غزوهم فكريًا، مقياس الجمال حُدِّد بصورة نمطية بديهية للمتابع، فأصبح الأعزب يريد ملكة جمال بالقوام والشكل والقياسات المُحددة وإن كان يشبه جرة الفول، والمتزوج لم تعد زوجته تُملأ عينيه أو تحرك مشاعره لأنه أصبح في دوامة المقارنات متناسي أن اغلب الفتيات المشهورات وظيفتهن أن تقتات من وراء الإغراء وعرض المفاتن لضعاف النفوس مِن مَن تُشغله أهواء الدنيا وملذاتها، والا لما كانت تعمدت وتكلفت بفعل عمليات تجميل كهدم وشفط وتصليح وتليِّس، الا لاستدراج جيبك بعد متابعتك لها ورفعك من شأنها.. جسدها هو منتجها.. سلعة يتم الترويج عنه وأنت ضحيتها.

الشيطان عندما يريد أن يغوي الإنسان يأتي له من مداخل خفية، يزيِّن له المعصية ويُظهرها بطابع المتعة والحرية.. الهوى والشهوة.
استغلال ضِعاف القلوب والإلمام بمعرفة الاحتياجات العاطفية فيغزو فكر الإنسان بما ينقصه ويحتاجه ولكن بطريقته الإغوائية الباطلة التي تصُب في مصلحته، وهذا تمامّا مايفعله بعض المشاهير دخلاتهم شيطانية “مُعلِّمين غير رسمين” يغرسون من بذور السموم مايريدون في عقول جيل كامل.

المشاهير السيئين لم يزرعوا أحلام في العقول بل زرعوا فراغ، البعض لم تعد المرآة تكفيه، أصبح يعكس نفسه في شاشات الغرباء، يركض خلف صور لا تشبهه، صور زرعها المشاهير باعوا فيها وهمًا وتركوا قلوب جوفاء بعقول هوجاء.
عززوا المظاهر السطحية لا القيم الجوهرية، جعلوا أفراد المجتمع يشعرون بالأسف على أنفسهم وفقدان الرضا والإصابة بالإحباط، نشر التفاخر الزائف على برامج التواصل الإجتماعي وتعليم البذخ والإسراف فأصبح الجميع ينقادون لتصرفاتهم ويصورون كل لحظة من حياتهم وخصوصياتهم وكأنهم في سباق لإبهار الآخرين، حتى لو كان ذلك على حساب راحتهم أو دخلهم.

هذه الحملة مؤشر على بداية وعي المجتمع واليقظة من الغفلة ومن الاتباع الأعمى إلى الإدراك والبصيرة.. بإيقاف صفة الطاعة واخذ اتجاه نحو التفكير قبل التصفيق، وقفة ثابتة تُعلن الاكتفاء من الخداع والإستغلال، وترسم حدًّا فاصلًا للجهل المتنكر في هيئة حياد، أخيرّا اتضحت للمجتمع الرؤية التي ستجعلهم انصارًا للحق ممارسين للشجاعة عن قناعة.

همسة رجاء: 
أرجو أن لا تأخذكم بهم رأفة وأن تستمروا بالحملة بشكل مترابط وعلى كلمة واحدة فكل فرد هو مسؤول وله يد في الصلاح وايقاف مُنكر وربما بالهداية، فكما تعلم أن صحوة المجتمع تبدأ من الفرد فكلما اتسعت دائرة الوعي أصبح المجتمع أكثر قدرة على حماية هويته وصناعة مستقبله.. فَمِن دون الصحوة لن يكون للمجتمع مكان بين الأُمم.
يجب أن تعلموا أن الجيل القادم يتعلم من أفعالنا قبل أقوالنا، فإذا أهملنا أنا وانت هنا سنحمُل وزر أُمة ضائعة، وإذا اجتهدنا سنكسب أجر أمة ناجحة، لا تتناسى أنك المسؤول أمام الله عن ذاتك وذويك ومجتمعك.
لا تأخذكم بهم شفقة هم لم يشفقوا على ذواتهم وهم من قطعوا رزقهم بأيديهم فهذا ماجنت يداهم وكما قال الله تعالى في مُنزل كتابه الحكيم في سورة النحل:
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (118) صدق الله العظيم.
كما تعلم عزيزي القارئ أن التغيير لا يولد من القوانين ولا من الشعارات، بل من القرارات التي يتخذها كل فرد.. بأن يكون هوَ البداية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى