مقالات و رأي

كسر الخواطر.. أنينٌ صامت

الدكتورة : إيمان حماد الحماد
بنت النور / @bentalnoor2005

ليس كل الجراح تُرى بالعين، ولا كل الآلام يُسمع صداها. فهناك كسورٌ خفية تنفذ إلى الأرواح، تمزّق نسيجها برفقٍ جارح، وتبقى ندوبها أبد الدهر…
إنّه كسر الخواطر ..
ذاك الألم الذي لا يُمسَك باليد، ولا يُعالج بالدواء، لكنه يُقيم في القلب كما تُقيم الغصّة في الحلق.

كسر الخاطر وإن كان بكلمةٍ عابرة، إلا أنها ستكون سهمًا يطعن من حيث لا يُرى. هو ابتسامةٌ تتكسر خلفها دمعة، وصمتٌ يصرخ في الداخل دون أن يلتفت إليه أحد. إنّه وعدٌ لم يُوفَ به، وحلمٌ قُطع في منتصف الطريق، وثقةٌ هُدمت ببرود، ويدٌ كانت تمتد بالودّ فقوبلت بالخذلان.

كسرُ الخواطرِ ليس صوتًا مسموعًا، بل وجعٌ مكتومٌ في القلب، يقتل الفرح في مهده، ويطفئ النور في عيني صاحبه.
هو كلمةٌ جارحة تسبقها ثقة، وابتسامةٌ متصدّعة تخفي خلفها خذلانًا عميقًا.
هو سقوطُ يدٍ كانت ممدودة، وانكسارُ حلمٍ كان معقودًا، وجرحٌ لا ينزف دمًا بل ينزف روحًا.

وما أشدّ أن يأتي هذا الكسر من قريب! فالغريب قد يؤلمنا ويعبر، أمّا القريب الذي اعتبرناه ملجأً، فإن جرحه يتركنا في التيه بلا مأوى. نحن لا نخاف الخيانة من البعيد، لكنّها حين تأتي ممّن كانوا لنا وطنًا، تُشرّدنا داخل أوطاننا، وتجعلنا غرباء في حضن مَن أحببنا.

إنّ كسر الخاطر لا يوجع الجسد، لكنه يُضعف الروح. لا يترك شرخًا ، لكنه يترك ندبة في القلب تغيّر ملامحنا إلى الأبد. فبعض الجراح لا تُرى ، قد يرانا الناس كما نحن في الظاهر، لكنّنا في العمق لم نعد كما كنّا .

القلوبُ يا أهل الحنان أوانٍ رقيقة، لا تحتمل قسوةُ اللسان، ولا تُصلحها يدٌ باردة. الكلمةُ الطيبة تبني في الأرواح أوطانًا، والكلمةُ الجافية تهدمُ سنينًا من المودّة في لحظةٍ واحدة.

فرفقًا بالقلوب! الكلمة الطيّبة صدقة، واللمسة الحانية دواء، والاهتمام البسيط حياة. لا تستهينوا بما تكسرونه، فبعض الكسور لا تُجبر، وبعض الأرواح لا تُعيد توازنها بعد السقوط.

أحسنوا القول، فالطيب منه يبعث حياة، والجافي منه يهدم عمرًا.
وارحموا الأرواح، فما كل كسرٍ يُجبر، وما كل خاطرٍ يُشفى.

ولعل أجمل ما نلجأ إليه في لحظة الانكسار، هو باب الله؛ بابٌ لا يُغلق، ويدٌ لا تُرد. نقولها بدموعنا قبل ألسنتنا:
اللهم لا تكسر قلبًا قصدك، ولا تُخيّب رجاء عبدٍ دعاك. اللهم اجبر خواطرنا بفيض رحمتك، واغمر قلوبنا ببركاتك، فإنّا لا نرجو سواك.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى