ضجيج العالم وصمت الذات

بقلم: أحلام قاسم البليهشي
في زمنٍ تتسابق فيه الأصوات، وتتنافس فيه الصور على فتات انتباهنا، تلاشت تلك المساحة الهادئة التي كان القلب يجد فيها ذاته.
أصبحنا نعيش في عالمٍ صاخبٍ يفيض بالضوضاء إلى الحدّ الذي غابت معه لحظة الإصغاء إلى نبضنا الداخلي، ذاك الصوت الخافت الذي كان يرشدنا نحو السلام والبصيرة.
لم يعد الضجيج خارجيًا فحسب، بل تسلّل إلى داخلنا، يسكن أفكارنا ويُشعل قلقنا قبل أن نصحو من نومنا. نحمل ضوضاء العالم في عقولنا، ونسير مثقلين بزحامٍ من الأفكار والمشاعر المرهقة. بات السكون ترفًا نادرًا، والهدوء إنجازًا يوازي طمأنينة العمر بأكمله.
في خضم هذا الزحام الرقمي، غابت لحظات التأمل، وتراجعت قدرتنا على الإصغاء للآخرين بإخلاص. أصبحت الحوارات سباقًا في الردّ لا مساحاتٍ للفهم، وتحول التواصل إلى عادة اجتماعية خاوية من روحها. نعيش زمنًا يملأ كل لحظةٍ بضجيجٍ فارغ، حتى غدونا نتساءل:
هل نحن نتحدث… أم نصرخ كي لا نضيع في الصمت؟
إن أعظم ما يحتاجه الإنسان اليوم ليس مزيدًا من الكلام، بل القدرة على الصمت الواعي؛ ذلك الصمت الذي لا يعني الغياب، بل الحضور الكامل مع الذات. حين نهدأ، نرى بوضوح، وحين نصمت، نفهم ما يعجز الضجيج عن قوله. فالصمت ليس هروبًا، بل عودة إلى جوهرنا الأصيل.
فلنجرّب – بين حينٍ وآخر – أن ننسحب من ضوضاء العالم قليلًا، أن نُطفئ أجهزتنا، ونفتح نافذة الروح. هناك في عمق الصمت، تتجلّى البصيرة ويتنفّس القلب بعد طول اختناق.
فالصمت ليس فراغًا كما يُقال، بل امتلاء بالحكمة، ونقاء يُعيد للروح صفاءها الأول.



