فنّ التكيف… مهارة العقل الناضج

الدكتورة : إيمان حماد الحماد
بنت النور : http://@bentalnoor2005
في مسيرة الحياة، لا يسلم أحد من المنعطفات الحادة، ولا من التغيّرات التي تطرق الأبواب بلا استئذان. وهنا تتجلى قيمة “التكيف” كفنّ راقٍ وذكاء عملي، يمكّن صاحبه من السير بثبات في طريقٍ متغير الملامح.
التكيف ليس مجرّد قبول للواقع، بل هو قدرة على إعادة تشكيله بما يلائم المبادئ ويصون القيم. أن نحسن استقبال المتغيرات، فنفرز نافعها من ضارها، ونعيد تدوير ما يثقلنا حتى يتحول إلى طاقة إيجابية تدفعنا للأمام.
إن مواجهة المواقف الصعبة، لا تعني الانكسار أمامها، بل البحث عن حلول خلاقة تضيّق مساحة الألم وتوسع دائرة الأمل. وكما أن النهر يشق مجراه مهما اعترضته الصخور، فإن الإنسان الذكي في تكيفه يصنع لنفسه مسارًا جديدًا، يجمع بين الثبات على الحق والمرونة في الأسلوب.
ففي مسرح الحياة، تتبدّل المشاهد وتتغير الأدوار، وتفرض الأيام على القلوب والعقول اختبارات متلاحقة. وهنا يبرز “ذكاء التكيّف” بوصفه موهبةً سامية، وقدرةً على صناعة الانسجام بين الثبات على المبدأ والمرونة في الأسلوب.
التكيّف الحقّ ليس خضوعًا ولا انكسارًا، بل هو فنّ تحويل الموج العاتي إلى قوة دفع، وصياغة الألم في قالب أمل. هو أن نحسن قراءة المتغيرات، فنقطف من جديدها ما يليق بالقيم، ونحيل شوائبها إلى دروس تزيدنا نضجًا.
فالإنسان الواعي يُسيّر حياته بين أمواج الواقع بمهارة الربّان، فلا يفرط في هويته، ولا يتصلب حتى ينكسر.
ذكاء التكيّف هو أن تبقى الجذور راسخة، بينما الأغصان تتمايل مع الريح، فتظل الشجرة حية، وارفة، شامخة، مهما تبدّلت الفصول.
فليكن تكيفنا مرآةً لعقول ناضجة وقلوب مؤمنة، تحفظ للدين هيبته، وللمجتمع أصالته، وللحياة جمالها.
إذا هبّتِ الأقدارُ ريحًا عاصفـا
كنْ كالنخيلِ، جذوعُهُ لا تنكسِرْ
وأمسكْ زمّامِ الموقفِ المتغيّرِ
ما النصرُ إلا حُسنُ عقلٍ فاعتبـرْ
ذكاءُ التكيّفِ أن تُقيمَ على الهدى
وتعبرَ بحرَ العمرِ بالموجِ الخطرْ



