مقالات و رأي

الجدار الفاصل بين الفقراء والأثرياء

الجدار الفاصل بين الفقراء والأثرياء

بقلم / أحمد القاري

في المجتمعات البشرية، تبرز طبقتان واضحتان: طبقة الثراء التي تملك المال والنفوذ، وطبقة الفقراء الكادحين الذين يشقّون طريقهم بعرق الجبين، وهم في خصاصة بل مخمصة.

ومع مرور الزمن، نشأ بينهما جدار صامت من العزلة، لم تكن جداراً من الحجارة والإسمنت، بل جدار من نظرات فوقية، وشعور بالفارق الطبقي.

لكن.. ما الذي يجعل الأغنياء يلجأون إلى هذه العزلة؟
غالباً ما يكون الخوف من الابتزاز أو التطفّل أو استنزاف الثروة سبباً رئيساً، إضافةً إلى رغبة في حياة أكثر خصوصية وانعزالاً.

لو هُدم الجدار، وتلاشى الحاجز الفاصل بين أرباب المال وأرباب الحاجة، لوجد الطرفان أنفسهم أمام فرصة جديدة للتكامل.. فالعامل بجهده وخبرته، والغني برأس المال والدعم.

وككل النهايات.. فإن صراع الورثة بعد رحيل رب الثروة يبدد ما شيده طيلة حياته.
ولو كان المال الذي هو (حق الله) قد أُنفِق في مشاريع خيرية وتنموية تعود بالنفع على المجتمع، لخلّد المورّث ذكراه، ولخفَّف من الصراع العائلي الذي يشتعل عند تقسيم الثروة.

الزكاة : الركن الغائب عن كثير من الأغنياء، لو تحقّق أداؤه لما بقي في الأرض محتاج.
فالله سبحانه جعل الزكاة حقاً معلوماً للفقراء في أموال الأغنياء، لا منّةً ولا تفضّلاً.

وهنا تتجلّى حكمة الله عز وجل في أن جعل الزكاة الركن الثالث من أركان الإسلام، فلا إسلام كامل بدونها، لأنها توازن العالم بأسره.. بأدائها لا يجوع أحد ولا يضطر أحد إلى السؤال.

وقد رُوي عن والي المدينة المنورة معن بن زائدة أنه كان كريم البذل في الصدقات، حتى إذا جاءه رجل يسأله مالاً أشاح ببصره عنه وأعطاه صرّة دنانير. فقيل له: “لِمَ أشحت بوجهك عنه ؟” قال: “خشيت أن أرى ذلّ السؤال على وجهه.” ولشدة كرمه قيل فيه :

يقولون معن لا زكاة لماله
وكيف يزكّي المال من هو باذله

فلو لم تكن في كفه غير روحه
لجاد بها فليتق الله سائله

على الغني البحث عن المحتاج الحقيقي عبر مؤسسات موثوقة أو عبر مبادرات فردية مباشرة، بعيداً عن سماسرة “الجمعيات الوهمية” أو المحتالين.
فالغني حين يعطي، يُطهِّر ماله ونفسه، والفقير حين يأخذ بحق، يحفظ كرامته ويعين نفسه على العمل والعيش الكريم.

ولو وُزِّعت الزكاة في مواضعها الصحيحة، لما بقي فقير يسأل، ولا غنيٌّ يخشى من سطوة الفقر حين تدور به الدوائر.

إنها معادلة إلهية عادلة، قالها الله تعالى في محكم تنزيله: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا»، فمن فهمها عاش في مجتمع لا يعرف القطيعة الطبقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى