ماهذا الضجيج؟

بقلم / فوزية عباس
ما عدت أطيق هذا الضجيج الذي يملأ مسامعي كلما اختلطت بالناس. ضجيج ليس مصدره أصوات المدن ولا ازدحام الطرقات بل ضجيج النفوس المثقلة بالنفاق، تلك التي تُلبس كلماتها ثوب العسل، فيما باطنها يقطر مرارةً وحقدًا.
أقابل وجوهاً باسمة، وقلوباً عابسة. أسمع عبارات الثناء، لكن خلفها سهام الغيرة والحسد. باتت العلاقات في هذا الزمن مسرحاً واسعاً الممثلون فيه يجيدون إلقاء التحايا وتبادل المجاملات لكن الكواليس تحكي وجهاً آخر للحكاية.
يا لغرابة هذا المجتمع! كم أصبح غريباً أن تبحث عن صدقٍ فلا تجده، وأن تنشد قلباً نقيّاً فلا تلقاه. لقد ضاق صدري بمخالطة من يرفعون الشعارات الوردية بينما أرواحهم ملوّثة بالضغينة.
فاخترت الانسحاب، لا ضعفاً ولا هروباً، بل حفاظاً على صفاء روحي.
فما قيمة المجالس إن كانت عامرة بالوجوه وقاحلة بالصدق؟ وما جدوى الكلام إن كان يلمع كالذهب لكنه في جوهره صدأ؟
صرت أجد سعادتي في العزلة، حيث الهدوء أصدق من الضجيج وحيث القلوب النقية القليلة أثمن من ألف علاقة زائفة. ففي زمنٍ امتلأ بالأقنعة، يصبح الصمت وطنًا، والصدق ندرةً، والروح بحاجة إلى من يرويها لا من ينهشها.



