مقالات و رأي

أنانية الذات

د. فهد بن عبد العزيز الأحمدي

أنانية الذات هي ذلك الجدار الخفي الذي يفصل الإنسان عن إنسانيته، ويجعل قلبه ضيقًا لا يتسع إلا لنبضه هو، ولا يرى في الوجود إلا مرآة تعكس صورته وحده.

إنها نزعة دفينة في النفس، قد تتخفّى أحيانًا تحت قناع الطموح أو حب الذات، لكنها ما تلبث أن تنكشف حين يُختبر الإنسان في المواقف التي تتطلب تضحية أو عطاء.

فالأناني لا يعيش في عالمٍ مشترك، بل في عالمٍ صغير لا يسمع فيه إلا صوته، ولا يرى فيه إلا مصلحته.

إذا أحبّ، أحبّ ليأخذ، وإذا أعطى، أعطى ليُذكر، وإذا ساعد، انتظر المقابل. إنه يضع نفسه في مركز الكون، ويريد من الجميع أن يدوروا حوله كالكواكب حول الشمس.

لكن الحقيقة المؤلمة أن أنانية الذات لا تمنح صاحبها سعادة، بل تسجنه داخل دائرة من الوحدة والبرود العاطفي. فالحياة لا تزدهر بالعزلة الأنانية، بل بالمشاركة والرحمة. إن أجمل ما في الإنسان قدرته على الخروج من ذاته، على أن يشعر بآلام الآخرين ويفرح لنجاحهم كأنهم هو.

وقد حذرت الأديان والفلسفات من هذه الأنانية، لأنها تُفسد العلاقات، وتزرع بين القلوب حواجز من الجفاء. فالمجتمع لا يقوم على المصالح الفردية، بل على التعاون والتكافل. ولو تفكّر الإنسان قليلًا، لأدرك أن سعادته الحقيقية لا تكمن في أن يأخذ، بل في أن يُعطي.

ولذلك، فإن مقاومة أنانية الذات تبدأ من لحظة وعيٍ صادق، حين يسأل الإنسان نفسه: هل أنا أعيش لنفسي فقط، أم أعيش لأترك أثرًا طيبًا في حياة غيري؟
فمن انتصر على أنانيته، عرف المعنى الحقيقي

للإنسانية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى